ملحوظا في المشبه والمشبّه به في أسلوب الاستعارة. وهذا غير متحقق إلا في الموضع الطبيعي ، لأنه موضع النطفة ، تماما كما هي الأرض موضع البذرة ، مما يوحي بالإعداد النوعي بعيدا عن الغرض الشخصي للرجال. فإن المسألة المطروحة ليست في إرادة الرجل للولد وعدم إرادته له من خلال عملية الجماع ، ليقال إن الجماع أعم من ذلك ، فيمكن ـ على هذا ـ إرادة الحرث بمعنى حركة المحراث في الأرض المستعارة لحركة الذكر في الفرج ، بعيدا عن النتائج ، بل المسألة هي في طبيعة كلمة الحرث التي تختزن معنى إلقاء البذر في المحل ، من حيث وضعها اللغوي ، مما لا ينسجم إلا مع الموضع الطبيعي للجماع ، فلا انسجام من الناحية البلاغية للاستعارة بدونه.
أما توجيه كلمة : (أَنَّى شِئْتُمْ) على هذا الاحتمال ، فقد يكون المراد به «من أين». أي : من أية جهة شئتم ، في مقابل قول اليهود على ما جاءت به رواية سبب النزول المتقدمة ، وقد يكون المراد به «كيف شئتم» ، أي : على أية حالة تحبونها في كيفية الجماع ، من الخلف ، أو الأمام ، أو بأسلوب معين ... يتنوع حسب تنوع الأوضاع التي قد تتعدد بأشكال مختلفة لدى الناس ، الذين يعملون على تطوير أساليب الجماع بطريقة بأخرى ، مما يتفنن الناس في اختراعه طلبا لتجديد فيه. وقد يكون المراد به «حيث شئتم» ، بمعنى في أي مكان شئتم ، على أساس حرية الإنسان في ممارسة هذا العمل في أي مكان. ويجمع هذه الوجوه إطلاق الحرية للإنسان في اختيار الوضع الذي يحبه ، أو الجهة التي ينطلق منها ، أو المكان الذي يمارس فيه ، بعيدا عن موضع الجماع لأنه مما لا يحتاج إلى بيانه في المجرى العملي العام ، باعتبار أن الحالة الشاذة قد تكون موضع رغبة ، ولكنها لا تمثل الرغبة العامة في الوضع الطبيعي. والله العالم.
* * *