(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) الذين إذا وقعوا في المعصية وطاف بهم الشيطان فأبعدهم عن الله ، ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ، وتابوا منها ، وأنابوا إليه ، ولم يصروا على ما فعلوا ... فهؤلاء هم الذين يختزنون في أعماقهم الإيمان بالله والمحبة له والالتزام بطاعته ، من دون أية حالة للتمرّد التي تتنافى مع الإحساس بالعبودية. وهم الذين لم تنطلق معصيتهم في خطيئاتهم من جحود بالله ، ولا استهانة بعقوبته ، ولا تهاون بوعيده ، ولا استخفاف بأمره ونهيه ... بل انطلقت من غفلة العمل وثورة الغريزة ، ونداء الجسد ووسوسة الشيطان ، فهي حدث عارض في حركة العمق الإيماني في الذات ، وليست حالة عميقة مستقرة. ولذلك كانوا أهلا لمحبة الله من خلال محبتهم له. (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) الذين يتطهرون من قذارة الكفر والضلال والذنوب الكبيرة والصغيرة ، فيلتقون بالتوّابين الذين تمثل التوبة لديهم حالة من التطهر الروحي ، الذي يتحول إلى حالة من التطهر الجسدي.
والله يريد للإنسان أن يعيش حالة التطهر الجسدي كما يريد له أن يعيش حالة التطهر الروحي ، لأن الحياة المستقيمة الطاهرة في نظامها الطبيعي المتوازن في الجانب الفردي والاجتماعي ، بحاجة إلى الطهارتين معا ، ولذلك أمر الله بهما معا ، فقد تحدث عن الطهارة المادية في أكثر من آية : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر : ٤] ، وقوله : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) [الأنفال : ١١] ، وقوله : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) ...
وعن طهارة القلب في قوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ