(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (١٨٣)
____________________________________
من عدا المذكورين من الثقلين الموصوفين بما ذكر من الضلال والإلحاد عن الحق ومحل الظرف الرفع على أنه مبتدأ إما باعتبار مضمونه أو بتقدير الموصوف وما بعده خبره كما مر فى تفسير قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ) الخ أى وبعض من خلقنا أو وبعض ممن خلقنا أمة أى طائفة كثيرة يهدون الناس ملتبسين بالحق أو يهدونهم بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة وبالحق يحكمون فى الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها. عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه كان يقول إذا قرأها هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ومن قوم موسى أمة الآية. وعنه عليه الصلاة والسلام إن من أمتى قوما على الحق حتى ينزل عيسى وروى لا تزال من أمتى طائفة على الحق إلى أن يأتى أمر الله وروى لا تزال من أمتى أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم ظاهرون وفيه من الدلالة على صحة الإجماع ما لا يخفى والاقتصار على نعتهم بهداية الناس للإيذان بأن اهتداءهم فى أنفسهم أمر محقق غنى عن التصريح به (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) شروع فى تحقيق الحق الذى به يهدى الهادون وبه يعدل العادلون وحمل الناس على الاهتداء به على وجه الترهيب ومحل الموصول الرفع على أنه مبتدأ خبره ما بعده من الجملة الاستقبالية وإضافة الآيات إلى نون العظمة لتشريفها واستعظام الإقدام على تكذيبها أى والذين كذبوا بآياتنا التى هى معيار الحق ومصداق الصدق والعدل (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) أى نستدنيهم البتة إلى الهلاك شيئا فشيئا* والاستدراج استفعال من درج إما بمعنى صعد ثم اتسع فيه فاستعمل فى كل نقل تدريجى سواء كان بطريق الصعود أو الهبوط أو الاستقامة وإما بمعنى مشى مشيا ضعيفا وإما بمعنى طوى والأول هو الأنسب بالمعنى المراد الذى هو النقل إلى أعلى درجات المهالك ليبلغ أقصى مراتب العقوبة والعذاب ثم استعير لطلب كل نقل تدريجى من حال إلى حال من الأحوال الملائمة للمنتقل الموافقة لهواه بحيث يزعم أن ذلك ترق فى مراقى منافعه مع أنه فى الحقيقة ترد فى مهاوى مصارعه فاستدراجه سبحانه إياهم أن يواتر عليهم النعم مع انهما كهم فى الغى فيحسبوا أنها لطف لهم منه تعالى فيزدادوا بطرا وطغيانا لكن لا على أن المطلوب تدرجهم فى مراتب النعم بل هو تدرجهم فى مدارج المعاصى إلى أن يحق عليهم كلمة العذاب على أفظع حال وأشنعها والأول وسيلة إليه وقوله تعالى (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) متعلق بمضمر وقع صفة* لمصدر الفعل المذكور أى سنستدرجهم استدراجا كائنا من حيث لا يعلمون أنه كذلك بل يحسبون أنه أثرة من الله عزوجل وتقريب منه وقيل لا يعلمون ما يراد بهم (وَأُمْلِي لَهُمْ) عطف على سنستدرجهم غير داخل فى حكم السين لما أن الإملاء الذى هو عبارة عن الإمهال والإطالة ليس من الأمور التدريجية كالاستدراج الحاصل فى نفسه شيئا فشيئا بل هو فعل يحصل دفعة وإنما الحاصل بطريق التدريج آثاره