(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٤١)
____________________________________
على ما سيأتى من التعذيب والمغفرة على أبلغ وجه وأتمه أى ألم تعلم أن الله له السلطان القاهر والاستيلاء الباهر المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلى فيهما وفيما فيهما إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة إلى غير* ذلك حسبما تقتضيه مشيئته (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أن يعذبه (وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) أن يغفر له من غير ند يساهمه ولا ضد يزاحمه وتقديم التعذيب على المغفرة لمراعاة ما بين سببيهما من الترتيب والجملة إما تقرير لكون* ملكوت السموات والأرض له سبحانه أو خبر آخر لأن (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على ما ذكر من التعذيب والمغفرة والإظهار فى موقع الإضمار لما مر مرارا والجملة تدييل مقرر لما قبلها (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) خوطب عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة للتشريف والإشعار بما يوجب عدم الحزن والمسارعة فى الشىء الوقوع فيه بسرعة ورغبة وإيثار كلمة فى على كلمة إلى الواقعة فى قوله تعالى (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) الخ للإيماء إلى أنهم مستقرون فى الكفر لا يبرحونه وإنما ينتقلون بالمسارعة عن بعض فنونه وأحكامه إلى بعض آخر منها كإظهار موالاة المشركين وإبراز آثار الكيد للإسلام ونحو ذلك كما فى قوله تعالى (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) فإنهم مستمرون على الخير مسارعون فى أنواعه وأفراده والتعبير عنهم بالموصول للإشارة بما فى حيز صلته إلى مدار الحزن وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهيا للكفرة عن أن يحزنوه عليه الصلاة والسلام بمسارعتهم فى الكفر لكنه فى الحقيقة نهى له عليه الصلاة والسلام عن التأثر من ذلك والمبالاة بهم على أبلغ وجه وآكده فإن النهى عن أسباب الشىء ومباديه المؤدية إليه نهى عنه بالطريق البرهانى وقلع له من أصله وقد يوجه النهى إلى المسبب ويراد به النهى عن السبب كما فى قوله لا أرينك ههنا يريد نهى مخاطبه عن الحضور بين يديه وقرىء لا يحزنك من أحزنه منقولا من حزن بكسر الزاى وقرىء يسرعون يقال أسرع فيه الشيب* أى وقع فيه سريعا أى لا تحزن ولا تبال بتهافتهم فى الكفر بسرعة وقوله تعالى (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) بيان للمسارعين فى الكفر وقيل متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل يسارعون وقيل من* الموصول أى كائنين من الذين الخ والباء متعلقة بقالوا لا بآمنا وقوله تعالى (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) جملة حالية* من ضمير قالوا وقيل عطف على قالوا وقوله تعالى (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) عطف على من الذين قالوا الخ* وبه يتم بيان المسارعين فى الكفر بتقسيمهم إلى قسمين المنافقين واليهود فقوله تعالى (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) خبر لمبتدأ محذوف راجع إلى الفريقين أو إلى المسارعين وأما رجوعه إلى الذين هادوا فمخل بعموم