(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٩٦)
____________________________________
منفردين عن الأموال والأولاد وغير ذلك مما آثرتموه من الدنيا أو عن الأعوان والأصنام التى كنتم تزعمون أنها شفعاؤكم وهو جمع فرد والألف للتأنيث ككسالى وقرىء فرادا كرخال وفراد كثلاث* وفردى كسكرى (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) بدل من (فُرادى) أى على الهيئة التى ولدتم عليها فى الانفراد أو حال ثانية عند من يجوز تعددها أو حال من الضمير فى (فُرادى) أى مشبهين ابتداء خلقكم عراة حفاة* غرلا بهما أو صفة مصدر (جِئْتُمُونا) أى مجيئا كخلقنا لكم أول مرة (وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ) تفضلناه عليكم* فى الدنيا فشغلتم به عن الآخرة (وَراءَ ظُهُورِكُمْ) ما قدمتم منه شيئا ولم تحملوا نقيرا (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) أى شركاء الله تعالى فى الربوبية واستحقاق العبادة (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) أى وقع التقطع بينكم كما يقال جمع بين الشيئين أى أوقع الجمع بينهما وقرىء بينكم بالرفع على إسناد الفعل إلى الظرف كما يقال قوتل أمامكم وخلفكم أو على أن البين اسم للفصل والوصل أى تقطع وصلكم وقرىء* ما بينكم (وَضَلَّ عَنْكُمْ) أى ضاع أو غاب (ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أنها شفعاؤكم أو أن لا بعث ولا جزاء (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) شروع فى تقرير بعض أفاعيله تعالى الدالة على كمال علمه وقدرته ولطف صنعه وحكمته إثر تقرير أدلة التوحيد والفلق الشق بإبانة أى شاق الحب بالنبات والنوى بالشجر وقيل المراد به الشق الذى فى الحبوب والنوى أى خالقهما كذلك كما فى قولك ضيق فم الركية ووسع أسفلها* وقيل الفلق بمعنى الخلق قال الواحدى ذهبوا بفالق مذهب فاطر (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أى يخرج ما ينمو من الحيوان والنبات مما لا ينمو من النطفة والحب والجملة مستأنفة مبينة لما قبلها وقيل خبر ثان لأن وقوله* تعالى (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ) كالنطفة والحب (مِنَ الْحَيِّ) كالحيوان والنبات عطف على فالق الحب لا على يخرج* على الوجه الأول لأن إخراج الميت من الحى ليس من قبيل فلق الحب والنوى (ذلِكُمُ) القادر العظيم* الشأن هو (اللهَ) المستحق للعبادة وحده (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) فكيف تصرفون عن عبادته إلى غيره ولا سبيل إليه أصلا (فالِقُ الْإِصْباحِ) خبر آخر لأن أو لمبتدأ محذوف والإصباح مصدر سمى به الصبح وقرىء بفتح الهمزة على أنه جمع صبح أى فالق عمود الفجر عن بياض النهار وأسفاره أو فالق ظلمة الإصباح وهى* الغبش الذى يلى الصبح وقرىء فالق بالنصب على المدح (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) يسكن إليه التعب بالنهار لاستراحته فيه من سكن إليه إذا اطمأن إليه استئناسا به أو يسكن فيه الخلق من قوله تعالى (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) وقرىء جاعل الليل فانتصاب سكنا بفعل دل عليه جاعل وقيل بنفسه على أن المراد به الجعل المستمر فى الأزمنة المتجددة حسب تجددها لا الجعل الماضى فقط وقيل اسم الفاعل من الفعل المتعدى إلى اثنين يعمل فى الثانى وإن كان بمعنى الماضى لأنه لما أضيف إلى الأول تعين نصبه للثانى لتعذر الإضافة بعد ذلك