(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٥٦)
____________________________________
الابتداء والخبر (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) فإنه الموجد للكل والمتصرف فيه على الإطلاق (تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أى تعالى بالوحدانية فى الألوهية وتعظم بالتفرد فى الربوبية وتحقيق الآية الكريمة والله تعالى أعلم أن الكفرة كانوا متخذين أربابا فبين لهم أن المستحق للربوبية واحد هو الله تعالى لأنه الذى له الخلق والأمر فإنه تعالى خلق العالم على ترتيب قويم وتدبير حكيم فأبدع الأفلاك ثم زينها بالشمس والقمر والنجوم كما أشار إليه بقوله تعالى (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) وعمد إلى الأجرام السفلية فخلق جسما قابلا للصور المتبدلة والهيئات المختلفة ثم قسمها لصور نوعية متباينة الآثار والأفعال وأشار إليه بقوله تعالى (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) أى ما فى جهة السفل فى يومين ثم أنشأ أنواع المواليد الثلاثة بتركيب موادها أولا وتصويرها ثانيا كما قال بعد قوله تعالى (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أى مع اليومين الأولين لما فصل فى سورة السجدة ثم لما تم له عالم الملك عمد إلى تدبيره كالملك الجالس على سريره فدبر الأمر من السماء إلى الأرض بتحريك الأفلاك وتسيير الكواكب وتكوير الليالى والأيام ثم صرح بما هو فذلكة التقرير ونتيجته فقال تعالى (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ثم أمر بأن يدعوه مخلصين متذللين فقال (ادْعُوا رَبَّكُمْ) الذى قد عرفتم شئونه الجليلة (تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) أى ذوى تضرع وخفية فإن الإخفاء دليل الإخلاص (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أى* لا يحب دعاء المجاوزين لما أمروا به فى كل شىء فيدخل فيه الاعتداء فى الدعاء دخولا أوليا وقد نبه به على أن الداعى يجب أن لا يطلب ما لا يليق به كرتبة الأنبياء والصعود إلى السماء وقيل هو الصياح فى الدعاء والإسهاب فيه وعن النبى صلىاللهعليهوسلم سيكون قوم يعتدون فى الدعاء وحسب المرء أن يقول اللهم إنى أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذبك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ثم قرأ (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالكفر والمعاصى (بَعْدَ إِصْلاحِها) ببعث الأنبياء عليهمالسلام وشرع الأحكام (وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً) أى ذوى خوف نظرا إلى قصور أعمالكم وعدم استحقاقكم* وطمع نظرا إلى سعة رحمته ووفور فضله وإحسانه (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فى كل شىء ومن* الإحسان فى الدعاء أن يكون مقرونا بالخوف والطمع وتذكير قريب لأن الرحمة بمعنى الرحم أو لأنه صفة لمحذوف أى أمر قريب أو على تشبيهه بفعيل الذى هو بمعنى مفعول أو الذى هو مصدر كالنقيض والصهيل أو للفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره أو لاكتسابه التذكير من المضاف إليه كما أن المضاف يكتسب التأنيث من المضاف إليه.