(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) (٥٨)
____________________________________
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) عطف على الجملة السابقة وقرىء الريح (بُشْراً) تخفيف بشر جمع بشير أى مبشرات وقرىء بفتح الباء على أنه مصدر بشره بمعنى باشرات أو للبشارة وقرىء نشرا بالنون المضمومة جمع نشور أى ناشرات ونشرا على أنه مصدر فى موقع الحال بمعنى ناشرات أو مفعول مطلق فإن الإرسال* والنشر متقاربان (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) قدام رحمته التى هى المطر فإن الصبا تثير السحاب والشمال تجمعه* والجنوب تدره والدبور تفرقه (حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ) أى حملت واشتقاقه من القلة فإن المقل للشىء يستقله* (سَحاباً ثِقالاً) بالماء جمعه لأنه بمعنى السحائب (سُقْناهُ) أى السحاب وإفراد الضمير لإفراد اللفظ (لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) أى لأجله ولمنفعته أو لإحيائه أو لسقيه وقرىء ميت (فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ) أى بالبلد أو بالسحاب أو* بالسوق أو بالريح والتذكير بتأويل المذكور وكذلك قوله تعالى (فَأَخْرَجْنا بِهِ) ويحتمل أن يعود الضمير إلى الماء وهو الظاهر وإذا كان للبلد فالباء للإلصاق فى الأول والظرفية فى الثانى وإذا كان لغيره فهى للسببية* (مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أى من كل أنواعها (كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى) الإشارة إلى إخراج الثمرات أو إلى إحياء البلد الميت أى كما نحيبه بإحداث القوة النامية فيه وتطريتها بأنواع النبات والثمرات نخرج الموتى من* الأجداث ونحييها برد النفوس إلى مواد أبدانها بعد جمعها وتطريتها بالقوى والحواس (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) بطرح إحدى التاءين أى تتذكرون فتعلمون أن من قدر على ذلك قدر على هذا من غير شبهة (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ) * أى الأرض الكريمة التربة (يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) بمشيئته وتيسيره عبر به عن كثرة النبات وحسنه وغزارة* نفحه لأنه أوقعه فى مقابلة قوله تعالى (وَالَّذِي خَبُثَ) من البلاد كالسبخة والحرة (لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً) قليلا عديم النفع ونصبه على الحال والتقدير والبلد الذى خبث لا يخرج نباته إلا نكدا فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فصار مرفوعا مستترا وقرىء لا يخرج إلا نكدا أى لا يخرجه البلد إلا نكدا* فيكون إلا نكدا مفعوله وقرىء نكدا على المصدر أى ذا نكد ونكدا بالإسكان للتخفيف (كَذلِكَ) * أى مثل ذلك النصريف البديع (نُصَرِّفُ الْآياتِ) أى نرددها ونكررها (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) نعمة الله تعالى فيتفكرون فيها ويعتبرون بها وهذا كما ترى مثل لإرسال الرسل عليهمالسلام بالشرائع التى هى ماء حياة القلوب إلى المكلفين المنقسمين إلى المقتبسين من أنوارها والمحرومين من مغانم آثارها وقد عقب ذلك بما يحققه ويقرره من قصص الأمم الخالية بطريق الاستئناف فقيل.