(يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٧)
____________________________________
يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) وقوله تعالى (قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) بعد قوله تعالى (قالَ أَأَسْجُدُ* لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) وإما لإظهار الاعتناء بمضمون ما بعده من قوله تعالى (فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) أى للجزاء كقوله تعالى (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) (يا بَنِي آدَمَ) * خطاب للناس كافة وإيرادهم بهذا العنوان مما لا يخفى سره (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) أى خلقناه لكم بتدبيرات* سماوية وأسباب نازلة منها ونظيره وأنزل لكم من الأنعام الخ وقوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ (يُوارِي سَوْآتِكُمْ) التى قصد إبليس إبداءها من أبويكم حتى اضطرا إلى خصف الأوراق وأنتم مستغنون عن ذلك وروى أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عرايا ويقولون لا نطوف بثياب عصينا الله تعالى فيها فنزلت ولعل ذكر قصة آدم عليهالسلام حينئذ للإيذان بأن انكشاف العورة أول سوء أصاب الإنسان من قبل الشيطان* وأنه أغواهم فى ذلك كما أغوى أبويهم (وَرِيشاً) ولباسا تتجملون به والريش الجمال وقيل مالا ومنه* تريش الرجل أى تمول وقرىء رياشا وهو جمع ريش كشعب وشعاب (وَلِباسُ التَّقْوى) أى خشية الله* تعالى وقيل الإيمان وقيل السمت الحسن وقيل لباس الحرب ورفعه بالابتداء خبره جملة (ذلِكَ خَيْرٌ) أو خبر وذلك صفته كأنه قيل ولباس التقوى المشار إليه خير وقرىء ولباس التقوى بالنصب عطفا على* لباسا (ذلِكَ) أى إنزال اللباس (مِنْ آياتِ اللهِ) دالة على عظيم فضله وعميم رحمته (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) فيعرفون نعمته أو يتعظون فيتورعون عن القبائح (يا بَنِي آدَمَ) تكرير النداء للإيذان بكمال الاعتناء* بمضمون ما صدر به وإيرادهم بهذا العنوان مما لا يخفى سببه (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أى لا يوقعنكم فى الفتنة* والمحنة بأن يمنعكم من دخول الجنة (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) نعت لمصدر محذوف أى لا يفتننكم فتنة مثل إخراج أبويكم وقد جوز أن يكون التقدير لا يخرجنكم بفتنته إخراجا مثل إخراجه لأبويكم والنهى وإن كان متوجها إلى الشيطان لكنه فى الحقيقة متوجه إلى المخاطبين كما فى قولك لا أرينك ههنا وقد مر* تحقيقه مرارا (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) حال من أبويكم أو من فاعل أخرج وإسناد النزع إليه* للتسبيب وصيغة المضارع لاستحضار الصورة وقوله تعالى (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) أى جنوده وذريته استئناف* لتعليل النهى وتأكيد التحذير منه (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) من لابتداء غاية الرؤية وحيث ظرف لمكان انتفاء الرؤية ولا ترونهم فى محل الجر بإضافة الظرف إليه ورؤيتهم لنا من حيث لا نراهم لا تقتضى امتناع رؤيتنا