(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٢٢)
____________________________________
وتصدير الكلام بالنداء للتنبيه على الاهتمام بتلق المأمور به وتخصيص الخطاب به عليهالسلام للإيذان* بأصالته فى تلقى الوحى وتعاطى المأمور به (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) هو من السكن الذى هو عبارة عن اللبث والاستقرار والإقامة لا من السكون الذى هو ضد الحركة وأنت ضمير أكد به المستكن لبصح* العطف عليه والفاء فى قوله تعالى (فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) لبيان المراد مما فى سورة البقرة من قوله تعالى (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) من أن ذلك كان جمعا مع الترتيب وقوله تعالى (مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) فى معنى منها حيث شئتما ولم يذكر ههنا رغدا ثقة بما ذكر هناك وتوجيه الخطاب إليهما لتعميم التشريف والإيذان بتساويهما فى مباشرة المأمور به فإن حواء أسوة له عليهالسلام فى حق الأكل بخلاف السكن فإنها تابعة له فيه ولتعليق* النهى بها صريحا فى قوله تعالى (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) وقرىء هذى وهو الأصل لتصغيره على ذيا والهاء بدل من الياء (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) إما جزم على العطف أو نصب على الجواب (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) أى فعل الوسوسة لأجلهما أو تكلم لهما كلاما خفيا متداركا متكررا وهى فى الأصل الصوت الخفى كالهينمة* والخشخشة ومنه وسوس الحلى وقد سبق بيان كيفية وسوسته فى سورة البقرة (لِيُبْدِيَ لَهُما) أى ليظهر لهما واللام للعاقبة أو للغرض على أنه أراد بوسوسته أن يسوءهما بانكشاف عورتيهما ولذلك عبر عنهما بالسوأة* وفيه دليل على أن كشف العورة فى الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن فى الطباع (ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) ما غطى وستر عنهما من عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وإنما لم تقلب الواو المضمومة همزة فى المشهورة كما قلبت فى أو يصل تصغير واصل لأن الثانية مدة وقرىء* سواتهما بحذف الهمزة وإلقاء حركاتها على الواو وبقلبها واوا وإدغام الواو الساكنة فيها (وَقالَ) عطف على* وسوس بطريق البيان (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ) أى عن أكلها (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) أى / إلا* كراهة أن تكونا ملكين (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) الذين لا يموتون أو يخلدون فى الجنة وليس فيه دلالة على أفضلية الملائكة عليهمالسلام لما أن من المعلوم أن الحقائق لا تنقلب وإنما كانت رغبتهما فى أن يحصل لهما أوصاف الملائكة من الكمالات الفطرية والاستغناء عن الأطعمة والأشربة وذلك بمعزل من الدلالة على الأفضلية بالمعنى المتنازع فيه (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) أى أقسم لهما وصيغة المغالبة للمبالغة وقيل أقسما له بالقبول وقيل قالا له أتقسم بالله إنك لمن الناصحين وأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة (فَدَلَّاهُما)