(ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧) قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨) وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (١٩)
____________________________________
(فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) فإن إغواءه تعالى إياه أثر من آثار قدرته عزوجل وحكم من أحكام سلطانه تعالى فمآل الإقسام بهما واحد فلعل اللعين أقسم بهما جميعا فحكى تارة قسمه بأحدهما وأخرى بالآخر والفاء لترتيب مضمون الجملة على الإنظار وما مصدرية أى فأقسم بإغوائك إياى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أو للسببية على أن الباء متعلقة* بفعل القسم المحذوف لا بقوله (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) كما فى الوجه الأول فإن اللام تصد عن ذلك أى فبسبب إغوائك إياى لأجلهم أقسم بعزتك لأقعدن لآدم وذريته ترصدا بهم كما يقعد القطاع للقطع على السابلة (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) الموصل إلى الجنة وهو دين الإسلام فالقعود مجاز متفرع على الكناية وانتصابه على الظرفية كما فى قوله [كما عسل الطريق الثعلب] وقيل على نزع الجار تقديره على صراطك كقولك ضرب زيد الظهر والبطن (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) أى من الجهات الأربع التى يعتاد هجوم العدو منها مثل قصده إياهم للتسويل والإضلال من أى وجه يتيسر بإتيان العدو من الجهات الأربع ولذلك لم يذكر الفوق والتحت وعن ابن عباس رضى الله عنهما من بين أيديهم من قبل الآخرة ومن خلفهم من جهة الدنيا وعن أيمانهم وعن شمائلهم من جهة حسناتهم وسيئاتهم وقيل من بين أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز منه ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون وعن أيمانهم وعن شمائلهم من حيث يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ولكن لم يفعلوا لعدم تيقظهم واحتياطهم ومن حيث لا يتيسر لهم ذلك وإنما عدى الفعل إلى الأولين بحرف الابتداء لأنه منهما متوجه إليهم وإلى الآخرين بحرف المجاوزة فإن الآتى منهما كالمنحرف المتجافى عنهم المار على عرضهم ونظيره جلست عن يمينه (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) أى مطيعين وإنما قاله ظنا لقوله تعالى (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) لما رأى منهم مبدأ الشر متعددا ومبدأ الخير واحدا وقيل سمعه من الملائكة عليهمالسلام (قالَ) استئناف كما سلف مرارا (اخْرُجْ مِنْها) أى من الجنة أو من السماء أو من بين الملائكة (مَذْؤُماً) أى مذموما من ذأمه إذا ذمه وقرىء* مذوما كمسول فى مسئول أو كمكول فى مكيل من ذامه يذيمه ذيما (مَدْحُوراً) مطرودا (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ) * اللام موطئة للقسم وجوابه (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) وهو ساد مسد جواب الشرط وقرىء لمن* تبعك بكسر اللام على أنه خبر لأملأن على معنى لمن تبعك هذا الوعيد أو علة لأخرج ولأملأن جواب قسم محذوف ومعنى منكم منك ومنهم على تغليب المخاطب (وَيا آدَمُ) أى وقلنا كما وقع فى سورة البقرة