(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (٩٨)
____________________________________
(وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) معطوفان على (اللَّيْلَ) وعلى القراءة الأخيرة قيل هما معطوفان على محله والأحسن* نصبهما حينئذ بفعل مقدر وقد قرئا بالجر وبالرفع أيضا على الابتداء والخبر محذوف أى مجعولان (حُسْباناً) * أى على أدوار مختلفة يحسب بها الأوقات التى نيط بها العبادات والمعاملات أو محسو بان حسبانا والحسبان بالضم مصدر حسب كما أن الحساب بالكسر مصدر حسب (ذلِكَ) إشارة إلى جعلهما كذلك وما فيه من* معنى البعد للإيذان بعلو رتبة المشار إليه وبعد منزلته أى ذلك التسيير البديع (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) الغالب القاهر* الذى لا يستعصى عليه شىء من الأشياء التى من جملتها تسييرهما على الوجه المخصوص (الْعَلِيمِ) بجميع* المعلومات التى من جملتها ما فى ذلك التسيير من المنافع والمصالح المتعلقة بمعاش الخلق ومعادهم (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ) شروع فى بيان نعمته تعالى فى الكواكب إثر بيان نعمته تعالى فى النيرين والجعل متعد إلى واحد واللام متعلقة به وتأخير المفعول الصريح عن الجار والمجرور لما مر غير مرة من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أى أنشأها وأبدعها لأجلكم فقوله تعالى (لِتَهْتَدُوا بِها) بدل من المجرور بإعادة* العامل بدل اشتمال كما فى قوله تعالى (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً) والتقدير جعل لكم النجوم لاهتدائكم لكن لا على أن غاية خلقها اهتداؤهم فقط بل على طريقة إفراد بعض منافعها وغاياتها بالذكر حسبما يقتضيه المقام وقد جوز أن يكون مفعولا ثانيا للجعل وهو بمعنى التصيير أى جعلها كائنة لاهتدائكم فى أسفاركم عند دخولكم المفاوز أو البحار كما ينبىء عنه قوله تعالى (فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أى فى* ظلمات الليل فى البر والبحر وإضافتها إليهما للملابسة فإن الحاجة إلى الاهتداء بها إنما يتحقق عند ذلك أو فى مشتبهات الطرق عبر عنها بالظلمات على طريقة الاستعارة (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) أى بينا الآيات* المتلوة المذكرة لنعمه التى هذه النعمة من جملتها أو الآيات التكوينية الدالة على شئونه تعالى مفصلة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أى معانى الآيات المذكورة ويعلمون بموجبها أو يتفكرون فى الآيات التكوينية فيعلمون حقيقة الحال وتخصيص التفصيل بهم مع عمومه للكل لأنهم المنتفعون به (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) تذكير لنعمة أخرى من نعمه تعالى دالة على عظم قدرته ولطيف صنعه وحكمته أى أنشأكم مع كثرتكم من نفس آدم عليهالسلام (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) أى فلكم استقرار فى الأصلاب أو فوق الأرض واستيداع* فى الأرحام أو تحت الأرض أو موضع استقرار واستيداع فيما ذكر والتعبير عن كونهم فى الأصلاب أو فوق الأرض بالاستقرار لأنهما مقرهم الطبيعى كما أن التعبير عن كونهم فى الأرحام أو تحت الأرض بالاستيداع لما أن كلا منهما ليس بمقرهم الطبيعى وقد حمل الاستيداع على كونهم فى الأصلاب وليس بواضح وقرىء فمستقر بكسر القاف أى فمنكم مستقر ومنكم مستودع فإن الاستقرار منا