العقلاء ويدل عليه إطلاقه ومجيئه بعد ذلك ، وقراءة من قرأ «أم من عددنا» ، وقوله : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) فإنه الفارق بينهم وبينها لا بينهم وبين من قبلهم كعاد وثمود ، وأن المراد إثبات المعاد ورد استحالته والأمر فيه بالإضافة إليهم وإلى من قبلهم سواء ، وتقريره أن استحالة ذلك إما لعدم قابلية المادة ومادتهم الأصلية هي الطين اللازب الحاصل من ضم الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وهما باقيان قابلان للانضمام بعد ، وقد علموا أن الإنسان الأول إنما تولد منه إما لاعترافهم بحدوث العالم أو بقصة آدم وشاهدوا تولد كثير من الحيوانات منه بلا توسط مواقعة ، فلزمهم أن يجوزوا إعادتهم كذلك ، وإما لعدم قدرة الفاعل ومن قدر على خلق هذه الأشياء قدر على ما لا يعتد به بالإضافة إليها سيما ومن ذلك بدؤهم أولا وقدرته ذاتية لا تتغير.
(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) (١٤)
(بَلْ عَجِبْتَ) من قدرة الله تعالى وإنكارهم للبعث. (وَيَسْخَرُونَ) من تعجبك وتقريرك للبعث ، وقرأ حمزة والكسائي بضم التاء أي بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي أن تعجبت منها ، وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها. أو عجبت من أن ينكر البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يجوزه. والعجب من الله تعالى إما على الفرض والتخييل أو على معنى الاستعظام اللازم له فإنه روعة تعتري الإنسان عند استعظامه الشيء ، وقيل إنه مقدر بالقول أي : قال يا محمد بل عجبت.
(وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) وإذا وعظوا بشيء لا يتعظون به ، أو إذا ذكر لهم ما يدل على صحة الحشر لا ينتفعون به لبلادتهم وقلة فكرهم.
(وَإِذا رَأَوْا آيَةً) معجزة تدل على صدق القائل به. (يَسْتَسْخِرُونَ) يبالغون في السخرية ويقولون إنه سحر ، أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها.
(وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) (١٨)
(وَقالُوا إِنْ هذا) يعنون ما يرونه. (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ظاهر سحريته.
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) أصله انبعث إذا متنا فبدلوا الفعلية بالاسمية وقدموا الظرف وكرروا الهمزة مبالغة في الإنكار ، وإشعارا بأن البعث مستنكر في نفسه وفي هذه الحالة أشد استنكارا ، فهو أبلغ من قراءة ابن عامر بطرح الهمزة الأولى وقراءة نافع والكسائي ويعقوب بطرح الثانية.
(أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) عطف على محل (إِنْ) واسمها ، أو على الضمير في «مبعوثون» فإنه مفصول منه بهمزة الاستفهام لزيادة الاستبعاد لبعد زمانهم ، وسكن نافع برواية قالون وابن عامر الواو على معنى الترديد.
(قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) صاغرون ، وإنما اكتفى به في الجواب لسبق ما يدل على جوازه وقيام المعجز على صدق المخبر عن وقوعه ، وقرئ «قال» أي الله أو الرسول وقرأ الكسائي وحده (نَعَمْ) بالكسر وهو لغة فيه.
(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)(٢١)
(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) جواب شرط مقدر أي إذا كان ذلك فإنما البعثة (زَجْرَةٌ) أي صيحة واحدة ،