اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)(٧)
(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) أي مكانا من مكان سكناكم. (مِنْ وُجْدِكُمْ) من وسعكم أي مما تطيقونه ، أو عطف بيان لقوله من (حَيْثُ سَكَنْتُمْ). (وَلا تُضآرُّوهُنَ) في السكنى. (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) فتلجئوهن إلى الخروج. (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) فيخرجن من العدة ، وهذا يدل على اختصاص استحقاق النفقة بالحامل من المعتدات والأحاديث تؤيده. (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) بعد انقطاع علقة النكاح. (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) على الإرضاع. (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) وليأمر بعضكم بعضا بجميل في الإرضاع والأجر. (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) تضايقتم. (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) امرأة أخرى ، وفيه معاتبة للأم على المعاسرة.
(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) أي فلينفق كل من الموسر والمعسر ما بلغه وسعه. (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) فإنه تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وفيه تطييب لقلب المعسر ولذلك وعد له باليسر فقال : (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) أي عاجلا أو آجلا.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً)(٩)
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أهل قرية. (عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) أعرضت عنه إعراض العاتي المعاند. (فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) بالاستقصاء والمناقشة. (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) منكرا والمراد حساب الآخرة ، وعذابها والتعبير بلفظ الماضي للتحقيق.
(فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) عقوبة كفرها ومعاصيها. (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) لا ربح فيه أصلا.
(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً)(١١)
(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها في قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) ويجوز أن يكون المراد بالحساب استقصاء ذنوبهم وإثباتها في صحف الحفظة ، وبالعذاب ما أصيبوا به عاجلا. (الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً).
(رَسُولاً) يعني بالذكر جبريل عليهالسلام لكثرة ذكره ، أو لنزوله بالذكر وهو القرآن ، أو لأنه مذكور في السموات أو ذا ذكر أي شرف ، أو محمدا عليه الصلاة والسلام لمواظبته على تلاوة القرآن ، أو تبليغه وعبر عن إرساله بالإنزال ترشيحا ، أو لأنه مسبب عن إنزال الوحي إليه ، وأبدل منه (رَسُولاً) للبيان أو أراد به القرآن ، و (رَسُولاً). منصوب بمقدر مثل أرسل أو ذكرا مصدر ورسولا مفعوله أو بدله على أنه بمعنى الرسالة. (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ) حال من اسم (اللهِ) أو صفة (رَسُولاً) ، والمراد ب (الَّذِينَ آمَنُوا) في قوله : (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الذين آمنوا بعد إنزاله أي ليحصل لهم ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح أو ليخرج من علم أو قدر أنه يؤمن (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) من الضلالة إلى الهدى. (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) وقرأ نافع وابن عامر ندخله بالنون. (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) فيه تعجيب وتعظيم لما رزقوا من الثواب.