والمعنى أن ديني التصديق بكتب الله وأنبيائه ، فذكر أول الكتب المشهورة الذي حكم به النبيون والنبي الذي هو خاتم المرسلين. (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) الإشارة إلى ما جاء به أو إليه ، وتسميته سحر للمبالغة ويؤيده قراءة حمزة والكسائي «هذا ساحر» على أن الإشارة إلى عيسى عليهالسلام.
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٩)
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) أي لا أحد أظلم ممن يدعى إلى الإسلام الظاهر حقيته المقتضى له خير الدارين فيضع موضع إجابته الافتراء على الله بتكذيب رسوله وتسمية آياته سحرا فإنه يعم إثبات المنفي ونفي الثابت وقرئ «يدعى» يقال دعاه وادعاه كلمسه والتمسه. (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم.
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا) أي يريدون أن يطفئوا ، واللام مزيدة لما فيها من معنى الإرادة تأكيدا لها كما زيدت لما فيها من معنى الاضافة تأكيدا لها في لا أبا لك ، أو (يُرِيدُونَ) الافتراء (لِيُطْفِؤُا). (نُورَ اللهِ) يعني دينه أو كتابه أو حجته. (بِأَفْواهِهِمْ) بطعنهم فيه. (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) مبلغ غايته بنشره وإعلائه ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص بالإضافة. (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) إرغاما لهم.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) بالقرآن أو المعجزة. (وَدِينِ الْحَقِ) والملة الحنيفية. (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ليغلبه على جميع الأديان. (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) لما فيه من محض التوحيد وإبطال الشرك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(١١)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) وقرأ ابن عامر (تُنْجِيكُمْ) بالتشديد.
(تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) استئناف مبين للتجارة وهو الجمع بين الإيمان والجهاد المؤدي إلى كمال عزهم ، والمراد به الأمر وإنما جيء بلفظ الخبر إيذانا بأن ذلك مما لا يترك .. (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إن كنتم من أهل العلم إذ الجاهل لا يعتد بفعله.
(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(١٣)
(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخير ، أو لشرط أو استفهام دل عليه الكلام تقديره إن تؤمنوا وتجاهدوا ، أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم ، ويبعد جعله جوابا لهل أدلكم لأن مجرد دلالته لا توجب المغفرة (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) الإشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة.
(وَأُخْرى تُحِبُّونَها) ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى عاجلة محبوبة ، وفي (تُحِبُّونَها) تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل ، وقيل (أُخْرى) منصوبة بإضمار يعطيكم ، أو تحبون أو مبتدأ خبره : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) وهو على الأول بدل أو بيان وعلى قول النصب خبر محذوف ، وقد قرئ بما عطف