إرادة القول.
(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) ولا تنقصوه فإن من حقه أن يسوى لأنه المقصود من وضعه ، وتكريره مبالغة في التوصية به وزيادة حث على استعماله ، وقرئ (وَلا تُخْسِرُوا) بفتح التاء وضم السين وكسرها ، و (تُخْسِرُوا) بفتحها على أن الأصل (وَلا تُخْسِرُوا) في (الْمِيزانَ) فحذف الجار وأوصل الفعل.
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(١٣)
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها) خفضها مدحوة. (لِلْأَنامِ) للخلق. وقيل الأنام كل ذي روح.
(فِيها فاكِهَةٌ) ضروب مما يتفكه به. (وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) أوعية التمر جمع كم ، أو كل ما يكم أي يغطى من ليف وسعف وكفرى فإنه ينتفع به كالمكموم كالجذع والجمار والتمر.
(وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ) كالحنطة والشعير وسائر ما يتغذى به ، و (الْعَصْفِ) ورق النبات اليابس كالتين. (وَالرَّيْحانُ) يعني المشموم ، أو الرزق من قولهم : خرجت أطلب ريحان الله ، وقرأ ابن عامر «والحب ذا العصف والريحان» أي وخلق الحب والريحان أو وأخص ، ويجوز أن يراد وذا الريحان فحذف المضاف ، وقرأ حمزة والكسائي «والريحان» بالخفض ما عدا ذلك بالرفع ، وهو فيعلان من الروح فقلبت الواو ياء وأدغم ثم خفف ، وقيل «روحان» فقلبت واوه ياء للتخفيف.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) الخطاب للثقلين المدلول عليهما بقوله : (لِلْأَنامِ) وقوله : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ).
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)(١٦)
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) الصلصال الطين اليابس الذي له صلصلة ، والفخار الخزف وقد خلق الله آدم من تراب جعله طينا ثم حمأ مسنونا ، ثم صلصالا فلا يخالف ذلك قوله خلقه من تراب ونحوه.
(وَخَلَقَ الْجَانَ) الجن أو أبا الجن. (مِنْ مارِجٍ) من صاف من الدخان. (مِنْ نارٍ) بيان ل (مارِجٍ) فإنه في الأصل للمضطرب من مرج إذا اضطرب.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) مما أفاض عليكما في أطوار خلقتكما حتى صيركما أفضل المركبات وخلاصة الكائنات.
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ)(٢٠)
(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) مشرقي الشتاء والصيف ومغربيهما.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) مما في ذلك من الفوائد التي لا تحصى ، كاعتدال الهواء واختلاف الفصول وحدوث ما يناسب كل فصل فيه إلى غير ذلك.
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أرسلهما من مرجت الدابة إذا أرسلتها ، والمعنى أرسل البحر الملح والبحر العذب. (يَلْتَقِيانِ) يتجاوران ويتماس سطوحهما ، أو بحري فارس والروم يلتقيان في المحيط لأنهما خليجان يتشعبان منه.