صدق الرسول في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية ، أو وعد المغانم أو عنوانا لفتح مكة والعطف على محذوف هو علة ل (كَفَ) ، أو «عجل» مثل لتسلموا ، أو لتأخذوا أو العلة لمحذوف مثل فعل ذلك. (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) هو الثقة بفضل الله والتوكل عليه.
(وَأُخْرى) ومغانم أخرى معطوفة على هذه ، أو منصوبة بفعل يفسره (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) مثل قضى ، ويحتمل رفعها بالابتداء لأنها موصوفة وجرها بإضمار رب. (لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) بعد لما كان فيها من الجولة. (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) استولى فأظفركم بها وهي مغانم هوازن أو فارس. (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) لأن قدرته ذاتية لا تختص بشيء دون شيء.
(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً)(٢٤)
(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة ولم يصالحوا. (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) لانهزموا. (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا) يحرسهم. (وَلا نَصِيراً) ينصرهم.
(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) أي سنّ غلبة أنبيائه سنة قديمة فيمن مضى من الأمم كما قال تعالى : (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي). (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) تغييرا.
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) أي أيدي كفار مكة. (وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ) في داخل مكة. (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) أظهركم عليهم ، وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد. وقيل كان ذلك يوم الفتح واستشهد به على أن مكة فتحت عنوة وهو ضعيف إذ السورة نزلت قبله. (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من مقاتلتهم أولا طاعة لرسوله وكفهم ثانيا لتعظيم بيته ، وقرأ أبو عمرو بالياء. (بَصِيراً) فيجازيهم عليه.
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(٢٥)
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) يدل على أن ذلك كان عام الحديبية ، والهدي ما يهدى إلى مكة. وقرئ «الهدي» وهو فعيل بمعنى مفعول ، ومحله مكانه الذي يحل فيه نحره والمراد مكانه المعهود وهو منى لا مكانه الذي لا يجوز أن ينحر في غيره ، وإلا لما نحره الرسولصلىاللهعليهوسلم حيث أحصر فلا ينتهض حجة للحنفية على أن مذبح هدي المحصر هو الحرم. (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) لم تعرفوهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين. (أَنْ تَطَؤُهُمْ) أن توقعوا بهم وتبيدهم قال :
ووطئتنا وطأ على حنق |
|
وطء المقيّد ثابت الهرم |
وقال عليه الصلاة والسلام «إن آخر وطأة وطئها الله بوج» وطهو واد بالطائف كان آخر وقعة للنبيصلىاللهعليهوسلم بها ، وأصله الدوس وهو بدل الاشتمال من (رِجالٌ وَنِساءٌ) أو من ضميرهم في (تَعْلَمُوهُمْ). (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ) من جهتهم. (مَعَرَّةٌ) مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم والتأسف عليهم ، وتعيير الكفار بذلك والإثم بالتقصير في البحث عنهم مفعلة من عره إذا عراه ما يكرهه. (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلق ب (أَنْ تَطَؤُهُمْ) أي تطؤهم غير عالمين بهم ، وجواب (لَوْ لا) محذوف لدلالة الكلام عليه ، والمعنى (لَوْ لا) كراهة أن تهلكوا