(إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
(طَلْعُها) حملها مستعار من طلع التمر لمشاركته إياه في الشكل ، أو الطلوع من الشجر. (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) في تناهي القبح والهول ، وهو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق الحسن بالملك. وقيل (الشَّياطِينِ) حيات هائلة قبيحة المنظر لها أعراف ، ولعلها سميت بها لذلك.
(فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها) من الشجرة أو من طلعها. (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) لغلبة الجوع أو الجبر على أكلها.
(ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ)(٦٨)
(ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) أي بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال استسقاؤهم ، ويجوز أن يكون ثم لما في شرابهم من مزيد الكراهة والبشاعة. (لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) لشرابا من غساق ، أو صديد مشوبا بماء حميم يقطع أمعاءهم ، وقرئ بالضم وهو اسم ما يشاب به والأوّل مصدر سمي به.
(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ) مصيرهم. (لَإِلَى الْجَحِيمِ) إلى دركاتها أو إلى نفسها ، فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولهم ، وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) يوردون إليه كما تورد الإبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم ، ويؤيده أنه قرئ «ثم إن منقلبهم».
(إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ)(٧٤)
(إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الضلال ، والإهراع : الإسراع الشديد كأنهم يزعجون على الإسراع على (آثارِهِمْ) ، وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث.
(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) قبل قومك. (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) أنبياء أنذروهم من العواقب.
(فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) من الشدة والفظاعة.
(إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله ، وقرئ بالفتح أي الذين أخلصهم الله لدينه والخطاب مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والمقصود خطاب قومه فإنهم أيضا سمعوا أخبارهم ورأوا آثارهم.
(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ)(٧٨)
(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها ، أي ولقد دعانا حين أيس من قومه. (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) أي فأجبناه أحسن الإجابة فو الله لنعم المجيبون نحن ، فحذف منها ما حذف لقيام ما يدل عليه.
(وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) من الغرق أو أذى قومه.