الشرائع.
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣٢)
(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) بعض ذنوبكم ، وهو ما يكون في خالص حق الله فإن المظالم لا تغفر بالإيمان. (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) هو معد للكفار ، واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه باقتصارهم على المغفرة والإجارة على أن لا ثواب لهم ، والأظهر أنهم في توابع التكليف كبني آدم.
(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) إذ لا ينجي منه مهرب. (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) يمنعونه منه. (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) حيث أعرضوا عن إجابة من هذا شأنه.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)(٣٤)
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) ولم يتعب ولم يعجز ، والمعنى أن قدرته واجبة لا تنقص ولا تنقطع بالإيجاد أبد الآباد. (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) أي قادر ، ويدل عليه قراءة يعقوب «يقدر» ، والباء مزيدة لتأكيد النفي فإنه مشتمل على (أَنَ) وما في حيزها ولذلك أجاب عنه بقوله : (بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود ، كأنه صدّر السورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد.
(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) منصوب بقول مضمر مقوله : (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) والإشارة إلى العذاب. (قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بكفركم في الدنيا ، ومعنى الأمر هو الإهانة بهم والتوبيخ لهم.
(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(٣٥)
(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) أولوا الثبات والجد منهم فإنك من جملتهم ، و (مِنَ) للتبيين ، وقيل للتبعيض ، و (أُولُوا الْعَزْمِ) أصحاب الشرائع اجتهدوا في تأسيسها وتقريرها وصبروا على تحمل مشاقها ومعاداة الطاعنين فيها ، ومشاهيرهم : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى صلّى الله وسلم عليهم. وقيل الصابرون على بلاء الله كنوح صبر على أذى قومه ، كانوا يضربونه حتى يغشى عليه ، وإبراهيم على النار وذبح ولده والذبيح على الذبح ، ويعقوب على فقد الولد والبصر ، ويوسف على الجب والسجن ، وأيوب على الضر ، وموسى قال له قومه (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) ، وداود بكى على خطيئته أربعين سنة ، وعيسى لم يضع لبنة على لبنة. (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) لكفار قريش بالعذاب فإنه نازل بهم في وقته لا محالة. (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) استقصروا من هوله مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبونها ساعة. (بَلاغٌ) هذا الذي وعظتم به أو هذه السورة بلاغ أي كفاية ، أو تبليغ من الرسول عليه الصلاة والسلام ويؤيده أنه قرئ «بلغ» ، وقيل (بَلاغٌ) مبتدأ خبره (لَهُمْ) و (ما) بينهما اعتراض أي لهم وقت يبلغون إليه كأنهم إذا بلغوه ورأوا ما فيه استقصروا مدة عمرهم ، وقرئ بالنصب أي بلغوا بلاغا. (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)