هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (٤٧)
(عَلى سُرُرٍ) يحتمل الحال أو الخبر فيكون : (مُتَقابِلِينَ) حالا من المستكن فيه أو في (مُكْرَمُونَ) ، وأن يتعلق ب (مُتَقابِلِينَ) فيكون حالا من ضمير (مُكْرَمُونَ).
(يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ) بإناء فيه خمر أو خمر كقوله : وكأس شربت على لذّة. (مِنْ مَعِينٍ) من شراب معين أو نهر معين أي ظاهر للعيون ، أو خارج من العيون وهو صفة للماء من عان الماء إذا نبع. وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء ، أو للإشعار بأن ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من أنواع الأشربة لكمال اللذة ، وكذلك قوله :
(بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) وهما أيضا صفتان لكأس ، ووصفها ب (لَذَّةٍ) إما للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ بمعنى لذيذ كطب ووزنه فعل قال :
ولذّ كطعم الصرخديّ تركته |
|
بأرض العدا من خشية الحدثان |
(لا فِيها غَوْلٌ) غائلة كما في خمر الدنيا كالخمار من غاله يغوله إذا أفسده ومنه الغول. (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) يسكرون من نزف الشارب فهو نزيف ومنزوف إذا ذهب عقله ، أفرده بالنفي وعطفه على ما يعمه لأنه من عظم فساده كأنه جنس برأسه ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي وتابعهما عاصم في «الواقعة» من أنزف الشارب إذا نفد عقله أو شرابه ، وأصله للنفاد يقال نزف المطعون إذا خرج دمه كله ونزحت الركية حتى نزفتها.
(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ)(٤٩)
(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) قصرن أبصارهن على أزواجهن. (عِينٌ) نجل العيون جمع عيناء.
(كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) شبههن ببيض النعام المصون عن الغبار ونحوه في الصفاء والبياض المخلوط بأدنى صفرة فإنه أحسن ألوان الأبدان.
(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ)(٥٣)
(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) معطوف على (يُطافُ عَلَيْهِمْ) أي يشربون فيتحادثون على الشراب قال :
وما بقيت من اللّذّات إلّا |
|
أحاديث الكرام على المدام |
والتعبير عنه بالماضي للتأكيد فيه فإنه ألذ تلك اللذات إلى العقل ، وتساؤلهم عن المعارف والفضائل وما جرى لهم وعليهم في الدنيا.
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) في مكالمتهم. (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) جليس في الدنيا ...
(يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) يوبخني على التصديق بالبعث ، وقرئ بتشديد الصاد من التصدق.
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) لمجزيون من الدين بمعنى الجزاء.
(قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ)(٥٥)
(قالَ) أي ذلك القائل. (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) إلى أهل النار لأريكم ذلك القرين ، وقيل القائل هو الله أو