استمرارا لا توجد له فترة ، ولا يقدر عليه أحد من البشر ، وكلام العرب ومن تكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة من جميع أنحائها فى العالى منه إلّا فى الشيء اليسير المعدود ، ثم تعرض الفترات الإنسانية ، فينقطع طيب الكلام ورونقه ، فلا تستمر الفصاحة فى جميعه ، بل توجد فى تفاريق وأجزاء منه.
وهذا الوجه الذى فطن إليه القدامى لا يحتاج إلى دليل على صحته ، فهذا القرآن بين أيدى الناس فى كل مكان على مدى أربعة عشر قرنا ، وهذه كتب الأدباء ودواوين الشعراء هى الأخرى فى كل مكان ، وهذا علم النقد الأدبى مكتمل المنهج لدى جميع النقاد ، وما وجدنا النقاد إلّا ويتناولون الإنتاج الإنسانى بالتشريح وكشف ما فيه من ظواهر المد والجزر فى درجة الفصاحة والبلاغة ، وكشف ما يتداخله لا معنى له سوى المحافظة على جرس الكلام ، أو مداراة ما اعترى الفكر من فتور بتكرار الجمل على وجه الترادف والتكرار الخطابى الذى لا يبتدئ ولا يعيد.
أما القرآن فلم يستطع النقاد أن يصلوا فيه إلى ثغرة ، أو إلى وجه من وجوه النقص الكثيرة فى كلام البشر. كل ما قالوه : إن فيه تكرارا ، وقد رد عليهم الكرمانى بكتابه هذا الذى نقدمه للقراء أبلغ رد وأفحمه لمكابر حقود. وقالوا : إن القرآن موضوعات شتى وسور لا رابط بينها ، وقد أخرجنا كتابا فى هذا الموضوع هو كتاب (أسرار ترتيب القرآن) للإمام السيوطى.
العنصر العالمى فى إعجاز القرآن
أشرنا إلى خطأ الإمام ابن عطية فى تعميمه القول بأن الحجة قامت على العالم بالعرب فى مسألة الإعجاز القرآنى.
ونزيد هنا : أن هذا القول قد يكون له بعض الوجاهة إذا فسرناه على أن عجز العرب المطبق عن معارضة القرآن بمثله ، وهم فى الذروة