«لا إله إلّا الله» ، هذه الكلمة هى خلاصة رسالات الله ، محمد وجميع الرسل عباد الله. هذا هو الحجم الأصيل للمبلغين عن الله فى كل ملة ، فلا كهنوت ، ولا احتكار للدين باسم الوساطة ، ولا سحر ولا شعوذة فى الدين وهى الأصول التى تدور حولها حقائق القرآن ، لتثبيتها فى القلوب ، ولإمدادها بطاقة من القوة واليقين عن طريق التشريع بالأمر والنهى.
فما ذا كان موقف العرب وهم أئمة الفصاحة والبلاغة من هذه الحقائق الواضحة باللسان البليغ المبين؟
كان هذا البيان هدى لمن رقت حجب الغفلة عن قلوبهم فآمنوا ، وكفر الكثيرون وعاندوا وهم أرباب القلوب الغليظة المعتمة ، وبدأت سلسلة من التحديات وطلبوا آية ربانية ، أى معجزة بالمعنى الاصطلاحى تدل على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فى دعواه. وأعلن الله تعالى أن آية محمد صلىاللهعليهوسلم ومعجزته لأهل العناد ما هى إلّا الكتاب المبين حيث يقول : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ* أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) (١). أى : أنه قائم مقام المعجزات المادية التى أيد الله بها رسله السابقين. وكان هذا البيان القرآنى حينما طلبوا تلك الآيات صراحة كما فى هذه الآية وحين قالوا : (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (٢).
القرآن إذن آية الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم بالمعنى اللغوى والاصطلاحى لكلمة (آية) فهو البيان الواضح الجلى يدركه كل المخاطبين ، وهو فى الوقت نفسه معجزة بيانية عظمى يمنح المعتدين مزيدا من النور ، ويتحدى المعاندين أن يعارضوه بمثله ، كما تحدى موسى سحر قومه بعصاه وعيسى طب عصره بإحياء الموتى ، وآمن الكثير حينما تأملوا وتدبروا وعاينوا المعجزة بالقلوب .. فالإعجاز على أى حال هو وسيلة إيمان ، ووسيلة
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٥٠ ـ ٥١.
(٢) سورة الأنبياء : ٥.