فهل كان إحساس الوليد هذا نابعا من عظمة التشريع أو من جودة التشبيه أو نضرة الاستعارة؟ لم يكن شىء من هذا هو مصدر إعجاب العرب ممثلا فى الوليد ، بل هو الذوق الذى لا ينتشى إلّا من مراعاة الملابسات والكيفيات والاعتبارات التى سنتحدث عنها عند الحديث عن كتاب البرهان أو أسرار التكرار فى القرآن «كما أطلقنا عليه».
على أن هذا الباب ليس هو الباب الوحيد الذى يلوح منه إعجاز القرآن ، فهناك إعجاز الترتيب الذى يجده القارئ مفصلا إن شاء الله فى الدراسة المقدمة لكتاب «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطى ، وهناك إعجاز العقول البشرية كلها فى تاريخها الغابر واللاحق بصلاحية القرآن وحده للقيادة السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى جميع البيئات ، وضلال الفكر الإنسانى المجرد فى هذا الصدد ، وهناك إعجاز القرآن من حيث هو الفطرة التى لا تتبدل ، والتى يقاس بها الفكر البشرى للتعرف على الخطأ والصواب ، إلى غير ذلك من نواحى الإعجاز التى يصعب حصرها فى هذه العجالة.
وإذا تفجرت القوة من مظنة الضعف كان ذلك أدخل فى باب الإعجاز ، وأعلى كعبا فى باب البلاغة والتحدى ، ولا نعلم مظنة للضعف أظهر من التكرار وهو الباب الذى حاوله الكرمانى تاج القراء فى «كتابه البرهان» فأجاد بحق وأفاد.
أقول : إن العصر بحمد الله عصر قد أقبل فيه الإيمان وأدبرت فلول إلحاد كانت قد تسللت كما تتسلل الجرذان بين الخرائب وأكداس القمامة لا يحلو لها إلّا أن تسكن العفن من العقول وتستمكن إلّا من دنس الطباع ، وقد أراد الله تعالى أن يتفجر نور الإيمان من جديد فى أرجاء أرض الإسلام ، ولكن