زَرافَةُ ، ما ناقَةُ صالِحٍ عِندَ اللّه بِأَكرَمَ مِنّي ـ أو قالَ عليهالسلام : بِأَعظَمَ قَدرا مِنّي ـ! ولَم أزَل اُسائِلُهُ وأستَفيدُ مِنهُ واُحادِثُهُ إلى أن نَزَلَ المُتَوَكِّلُ مِنَ الرُّكوبِ ، وأمَرَ النّاسَ بِالاِنصِرافِ ، فَقُدِّمَت إلَيهِم دَوابُّهُم فَرَكِبوا إلى مَنازِلِهِم ، وقُدِّمَت بَغلَةٌ لَهُ عليهالسلام فَرَكِبَها. فَرَكِبتُ مَعَهُ إلى دارِهِ ، فَنَزَلَ عليهالسلام ووَدَّعتُهُ وَانصَرَفتُ إلى داري.
ولِوَلَدي مُؤَدِّبٍ يَتَشَيَّعُ مِن أهلِ العِلمِ وَالفَضلِ ، وكانَت لي عادَةٌ بِإِحضارِهِ عِندَ الطَّعامِ ، فَحَضَرَ عِندَ ذلِكَ ، وتَجارَينَا الحَديثَ وما جَرى مِن رُكوبِ المُتَوَكِّلِ وَالفَتحِ ، ومَشيِ الأَشرافِ وذَوِي الاِقتِدارِ بَينَ أيديهِما. وذَكَرتُ لَهُ ما شاهَدتُهُ مِن أبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ عليهالسلام ، وما سَمِعتُهُ مِن قَولِهِ عليهالسلام : ما ناقَةُ صالِحٍ عِندَ اللّه ١ بِأَعظَمَ قَدرا مِنّي! وكانَ المُؤَدِّبُ يَأكُلُ مَعي ، فَرَفَعَ يَدَهُ وقالَ : بِاللّه إنَّكَ سَمِعتَ هذَا اللَّفظَ مِنهُ؟!
فَقُلتُ لَهُ : وَاللّه سَمِعتُهُ يَقولُ.
فَقالَ لي : اِعلَم أنَّ المُتَوَكِّلَ لا يَبقى في مَملَكَتِهِ أكثَرَ مِن ثَلاثَةِ أيّامٍ ويَهلِكُ ، فَانظُر في أمرِكَ ، وأحرِز ما تُريدُ إحرازَهُ ، وتَأَهَّب لِأَمرِكَ كَي لا يَفجَأَكُم هَلاكُ هذَا الرَّجُلِ ، فَتَهلِكَ أموالُكُم بِحادِثَةٍ تَحدُثُ أو سَبَبٍ يَجري.
فَقُلتُ لَهُ : مِن أينَ لَكَ؟
فَقالَ : أما قَرَأتَ القُرآنَ في قِصَّةِ صالِحٍ عليهالسلام وَالنّاقَةِ؟ وقَولِهِ تَعالى : (تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثَلَـثَةَ أَيَّامٍ ذَ لِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) ٢؟! ولا يَجوزُ أن يَبطُلَ قَولُ الإِمامِ عليهالسلام.
قالَ زَرافَةُ : فَوَاللّه ما جاءَ اليَومُ الثّالِثُ حَتّى هَجَمَ المُنتَصِرُ ومَعَهُ بغا ووَصيفٌ وَالأَتراكُ عَلَى المُتَوَكِّلِ ، فَقَتَلوهُ وقَطَّعوهُ وَالفَتحَ بنَ خاقانَ جَميعا قِطَعا ، حَتّى لَم يُعرَف أحَدُهُما مِنَ الآخَرِ ، وأزالَ اللّه نِعمَتَهُ ومَملَكَتَهُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١. في المصدر : «عندي» ، والتصويب من بحار الأنوار.
٢. هود : ٦٥.