ممّا رأيتها من قبل. كسا وجهها الشحوبُ ومشت في أوصالها رجفةُ الإعياء ، وقد احتملتْ ـ مدّثراً بستر الكعبة الشريف ـ وليدَها بين صدرها وكفّيها.
تلك ولادةٌ لم تكن قبلَ طفلها هذا الوليدٍ ، ولم يحزْ فخرها بعدَه وليدٌ ، أكرمه بها الله. وأكرم اُمّه وأباه ، فكان تكريماً لفرعي هاشم الذي انحدر منه الطفل عن فاطمة وعن أبي طالب حفيدي الأصل الثابت الكريم.
وأقبل القوم ـ حين انتبهوا ـ يستبقون إلى السيّدة ، يعاونونها ، ويأخذون بيدها ، ويملأون الأبصار بطلعة ذلك الذي كان بيتُ الله مولدَه ، وسترُ الكعبة ثوبَه ، كأنّما أوسع له في الشرف باجتماعه في كلا المولد والمَحْتِد.
وهم لو استطاعوا أن يسبقوا زمانهم ، كما تأخّرت أنتَ لرأوه أيضاً يجتمع له نفس هذا الشرف حين يقبل عليه الموت فيلقاه في بيت الله يهمّ أن يقوم بالصلاة.
أمّا فاطمة : فقد أحبّتْ أن تحييَ في وليدها اسمَ أبيها ، فدعتْهُ بمعناه ، وإن لم تدعه بلفظه ، وقالت لزوجها وهي تحاوره :
«هو حيدرةٌ».
وأمّا أبو طالب قد كان أكثر توفيقاً حين اختار ، رأى وليده قد علا شرفاً بمكان مولده كما علا من قبل بأصله الرفيع فقال :
«بل ، عليٌّ».
وبدأت عند هذا حياةُ الرجل الذي ساير أخطر الأحداث في هذه الدنيا ، وعاشر أطهر الخلق وسيّد النبيّين ، واحتمل نصيبه من عبءٍ كبيرٍ ألقاه الله على مختاره الأمين ، الذي خصّه بوحيه ورسالته الإلهيّة لهداية العالم.
وعاش عليٌّ عمره لغيره من المثل ومن الراجل ، فكان في صباه القريب المفتدي ، وفي شبابه الصديق المقتدي بالنبيّ الكريم ، وبين هذا وذاك من أطوار العمر وما جاء في أعقابها من فترات ، التزم غايات الكمال في الفعال والخلال.