فقلت : كلّا والله ، بل عة حقٌ يقين ، في يقظةٍ لا في نوم ، ورأي العين لا رؤيا ، وإنّي لأرجو الله أن يحقّق ظنّي فيه ، وأن يكون الذي بُشّرتُ بتربيته ، ووُعدِتُ الفوز عند كفالته.
فكانت فاطمة لا تفارق رسول الله صلّى الله عليه وآله في ليل ولا نهار ، ولا تغفل عنه وعن خدمته ، وتفقد مطعمه ومشربه.
فكان صلّى الله عليه وآله يسمّيها «اُمّي».
وهجرت الأصنام ، وقطعت القربان إليها من الذبائح في الأعياد تسأل الولد ، وتسلّت برسول الله صلّى الله عليه وآله والتبنّي له وخدمته عن كلّ شيء ، فلمّا قطعت عادتها وجد عليها السدنةُ من ذلك ، ومنعوها من الدخول على الصنم الأعظم.
وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يحضر قريشاً في مشاهدهم كلّها غير السجود للأصنام ، والذبائح للأنصاب ، وفي حال شرب الخمر ووصف الشعر ، وقول الزور ، فإنّه كان يجتنبهم مذ كان طفلاً حتّى استكمل.
فدخل يوماً على سادنٍ من سدنة الأصنام ، فقال له : لِمَ تعتب على اُمّي فاطمة ، وتمنعها من زيارة هذه الأحجار المؤثّرة فينا الاعتبار؟
فقال له السادن : لأنّها أتت باُمور متشابهة ، وقطعت برّ الآلهة ، وهي لمن عبدها نافعة ، ولمن جاء إليها شافعة ، وستعلم ابنة أسد أنّها لا ترزقها ولداً.
فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله : آلأصنام ترزقكم الولدان؟ وتأتيكم باغيث عند المَحل في السنوات الشداد؟
قال له السادن : نعم! أو ما علمت نحن نحمد ذلك عند الأصنام عاجلاً في الفاقة ، وآجلاً مدّخراً.
والتفت إلى السدنة فقال : هذا غلام مات أبوه وجدّه واُمّه وظئره وهو طفل ، فكفله من لا يعبأ به ولا يدلّى على رشده وهو عمّه وامرأة عمّه.