من ماله ، فيدفعه إليه ليأخذه منه بعد ، ففي استعمال القرض تنبيه على أن ذلك لا يضيع عنده ، وأنه يجزيهم عليه لا محالة. ويدخل في هذا القرض ، النفقة في الجهاد. لأنه لما أمر بالقتال في سبيل الله ـ ويحتاج فيه إلى المال ـ حث على الصدقة لتتهيأ أسباب الجهاد (فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) : لا يعلم كنهها إلا الله. (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ) أي : يقتر الرزق على عباده ، ويوسعه عليهم. فكأنه يقول : فلا تبخلوا عليه ، بما وسع عليكم ، لا يبدلكم الضيق بالسعة. (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) : فيجازيكم على ما قدمتم.
فوائد :
١ ـ بمناسبة هذه الآيات يذكر ابن كثير قول خالد بن الوليد رضي الله عنه وهو في سياق الموت : (لقد شهدت كذا موقفا. وما من عضو من أعضائي إلا وفيه رمية ، أو طعنة ، أو ضربة. وها أنذا أموت على فراشي كما يموت البعير. فلا نامت أعين الجبناء).
٢ ـ في هرب هؤلاء من الموت ، اتجاهان للمفسرين. الاتجاه الأول : أنهم فروا من الجهاد. والاتجاه الثاني : أنهم فروا من الطاعون ، فعوقبوا بما منه فروا. ثم من الله عليهم بالحياة ، لتكون عبرة. وبمناسبة القول أنهم فروا من الطاعون يذكر ابن كثير الحديث الصحيح الذي فيه أدب المسلم في حالة انتشار وباء الطاعون وهذه هي رواية الإمام أحمد : «عن عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان (بسرغ) لقيه أمراء الأجناد : أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه. فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام ـ فذكر الحديث ـ فجاءه عبد الرحمن بن عوف ، وكان متغيبا لبعض حاجته فقال : إن عندي من هذا علما. سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه». فحمد الله عمر ثم انصرف. وفي رواية : «إن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم ، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا» ولعل في هذا النص أول تأسيس لفكرة الحجر الصحي في تاريخ العالم.
٣ ـ أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله : وإن الله عزوجل ليريد منا القرض؟. قال : «نعم يا أبا الدحداح». قال : أرني يدك يا رسول الله. قال : فناوله يده. قال : فإني قد أقرضت ربي عزوجل حائطي. قال : وحائط له فيه ستمائة نخلة ، وأم الدحداح فيه ، وعيالها. قال : فجاء أبو الدحداح فناداها : يا أم