إسرائيل ، وهي القضية المذكورة بعد الآية التي ذكرناها آنفا ، إن الآية اللاحقة لهذه الآية هي قوله تعالى (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) إذ الملاحظ أن مقطع إبراهيم يرد فيه قبل الآية الأخيرة (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) وسنرى أن مقاطع لاحقه ستتعرض بشكل أوسع لموضوع كتمان ما أنزل الله
إن تعانق المقطع مع ما قبله ومع ما بعده كثير كبير شديد ، وتعانق فقراته مع بعضها كثير شديد كما سنرى.
ولنطرز هذه المقدمة عن سياق المقطع بخاتمة ما قدم سيد قطب لهذا المقطع. يقول : وفي ثنايا هذا العرض التاريخي (الذي عرضه النص وتحدث عنه سيد) يبرز السياق أن الإسلام بمعنى إسلام الوجه لله وحده ، كان هو الرسالة الأولى وكان هو الرسالة الأخيرة ، هكذا اعتقد إبراهيم ، وهكذا اعتقد من بعده إسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط حتى أسلموا هذه العقيدة ذاتها إلى موسى وعيسى ، ثم آلت أخيرا إلى ورثه إبراهيم من المسلمين ، فمن استقام على هذه العقيدة الواحدة فهو وريثها ووريث عهودها وبشاراتها ، ومن فسق عنها ورغب بنفسه عن ملة إبراهيم ، فقد فسق عن عهد الله ، وقد فقد وراثته لهذا العهد وبشارته. عندئذ تسقط كل دعاوى اليهود والنصارى في اصطفائهم واجتبائهم لمجرد أنهم أبناء إبراهيم وحفدته ، وهم ورثته وخلفاؤه ، لقد سقطت عنهم الوراثة منذ ما انحرفوا عن هذه العقيدة ، وعندئذ تسقط كذلك كل دعاوى قريش في الاستئثار بالبيت الحرام وشرف القيام عليه وعمارته ، لأنهم قد فقدوا حقهم في وراثه باني هذا البيت ورافع قواعده ؛ بانحرافهم عن عقيدته ، ثم تسقط كل دعاوى اليهود فيما يختص بالقبلة التي ينبغي أن يتجه إليها المسلمون ، فالكعبة هي قبلتهم وقبلة أبيهم إبراهيم ، كل ذلك في نسق من العرض والأداء والتعبير عجيب حافل بالإشارات الموحية ، والوقفات العميقة الدلالة ، والإيضاح القوي التأثير».
ولنبدأ عرض وتفسير المقطع :
الفقرة الأولى وتفسيرها :
(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) أي : واذكر إذ اختبر إبراهيم ربه بأوامر ونواه (فَأَتَمَّهُنَ) أي : قام بهن حق القيام وأداهن أحسن التأدية ، من غير تفريط ولا توان ، والابتلاء : هو الاختبار والاختبار منا لظهور ما لم نعلم ، ومن الله لإظهار ما قد