الاتجاه الذي اتجهناه نكون قد جمعنا بين النصوص ، وبعد أن سجلت هذا الاتجاه في مسودة التفسير رايت أن الألوسي في تفسيره قد نقل عن بعض الإسلاميين ما يشبه هذا الاتجاه يقول في الصفحة (٢١٧) من الجزء الأول من تفسيره. «والذي يفهم من بعض عبارات القوم ... أن المحدد ويقال له سماء أيضا مخلوق قبل الأرض وما فيها ، وأن الأرض نفسها خلقت بعد ، ثم بعد خلقها خلقت السموات السبع ، ثم بعد السبع خلق ما في الأرض من معادن ونبات ، ثم ظهر عالم الحيوان ، ثم عالم الإنسان» أقول : هذا النقل يحتاج إلى نقاش في بعض أجزائه ولكنه يؤيد أصل ما اتجهنا إليه ، وينبغي أن يكون واضحا أن القرآن يثبت قدم المجرات على تشكل الأرض ، وهذا من أعظم المعجزات التي تدل على أن هذا القرآن من عند الله.
فصل في إعجاز القرآن ومعجزاته :
رأينا أن الإعجاز شىء مشترك في القرآن كله ، ففي أصغر سورة أو بقدرها يقوم الإعجاز ، ويثبت التحدي ، وتقوم حجة الله عزوجل على الخلق بأن هذا القرآن من عند الله ، ولكن هناك معجزات أخرى في هذا القرآن زائدة على أصل الإعجاز ، إن كل معنى في القرآن يستحيل أن يكون أثرا عن علم بشري ، سواء كان حديثا عن ماض أو آت أو سر من أسرار هذا الكون يشكل في حد ذاته معجزة تزيد على مجرد الإعجاز ، إن الإعجاز حاصل في القرآن سواء وجد إخبار عن مستقبل أو لا ، وجد كلام عن قضية علمية أو لا ، فإذا وجد شىء من ذلك وجدت معجزة زائدة على الإعجاز الموجود في سور القرآن كلها ، وهذا معنى سيتضح شيئا فشيئا ، وإنما نبهنا على ذلك لأن كثيرا من المؤلفين يتساهلون في التعبير عن هذه الأمور ولا حرج في ذلك ، ولكنه كلام تقتضيه دقة العرض العلمي لهذا القرآن الكريم ، وبهذه المناسبة نقول : إن من أهم واجبات الدعاة في هذا العصر أن يعرفوا معجزات القرآن ، وأن يمتلكوا القدرة على فهم إعجازه ، وأن يحسنوا العرض لهذا كله ، فما من شىء أقرب من إقامة الحجة وأكثر تأثيرا في النفس من مثل هذا ، إن سيرنا في هذا الطريق وامتلاكنا ناصية البيان فيه يختصر لنا الطريق في الدعوة إلى الإيمان بالله وبالرسول صلىاللهعليهوسلم وبالإسلام بآن واحد.
فصل في قضايا عقدية :
مر معنا في هذا المقطع قوله تعالى (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) فدل ذلك على أن الله عزوجل هو الذي يخلق الهداية والضلال ، على أن ذلك له أسبابه كما رأينا