أنعم الله به عليهم ، في دينهم ، ودنياهم.
وفي الآية الثانية أمر بالقتال ، وأمر بمعرفة الله. وبين معرفة الله والجهاد في سبيله تلازم. وبين الآية الأولى والثانية اتصال. فكما أن الحذر لا يغني عن القدر ، كذلك الفرار من الجهاد ، وتجنبه لا يقرب أجلا ، ولا يبعده. بل الأجل المحتوم ، والرزق المقسوم مقدر ، مقنن ، لا يزاد فيه ، ولا ينقص.
وفي الآية الثالثة ، حث على الإنفاق في سبيل الله. وبين الجهاد بالنفس والمال تلازم ، وفي الآية بيان لما أعد الله ـ عزوجل ـ من مكافآت مضاعفة على الإنفاق. وبيان أن علينا أن ننفق ، ولا نبالي. فالله هو الرزاق ، يضيق على من يشاء من عباده في الرزق ، ويوسعه على آخرين. له الحكمة في ذلك ، وإليه المرجع يوم القيامة فيجازي كلا بعمله ..
المعنى الحرفي :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) : هذا استفهام تقريري لمن سمع بقصتهم من أهل الكتاب أو سمع بأخبار الأولين ، التي فيها هذا الخبر ، وهو في الوقت نفسه تعجيب من شأنهم ، وخوطب به من لم ير ولم يسمع ، لأن هذا الكلام جرى مجرى المثل. (فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا) : أي فأماتهم الله. وإنما جىء به على هذه العبارة ، للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد ، بأمر الله ، ومشيئته. وتلك ميتة خارجة عن العادة. (ثُمَّ أَحْياهُمْ) : ليعتبروا ، ويعلموا أنه لا مفر من حكم الله وقضائه. وفيه تشجيع للمسلمين على الجهاد ، وأن الموت إذا لم يكن منه بد ، ولم ينفع منه مفر ، فأولى أن يكون في سبيل الله. والدليل على أنه ساق هذه القصة بعثا على الجهاد ، ما أتبعه من الأمر بالقتال في سبيل الله. فحرض على الجهاد بعد الإعلام بأن الفرار من الموت لا يغني. (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) : حيث أحيا أولئك ليعتبروا ، وليعتبر من سمع بقصتهم. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) أي : لا يقوم أكثر الناس بشكر ما أنعم الله عليهم. (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) : هذا الأمر لنا معشر هذه الأمة. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : واعلموا أن الله يسمع ما يقوله المتخلفون والسابقون ، عليم بما يضمره الجميع. (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي : من ذا الذي ينفق في سبيل الله نفقة طيبة ، بنفس طيبة. سمى ما ينفق في سبيل الله قرضا ، لأن القرض ما يقبض ببدل مثله من بعد ، سمي به لأن المقرض يقطعه