شاء الله ثم ارتكسوا (١) أمّن سواهم من المنافقين المؤلبين على الرسول والمؤمنين معه ، متربصين بالإسلام دوائر السوء.
ومهما دلت (حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) في الآية التالية على أنهم هم المتخلفون عن الهجرة مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولكنها تشمل في (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ) لفظا وفي التالية جريا ، كلّ هؤلاء المنافقين الخطرين بأشده على الإسلام والمسلمين.
هنا «فئتين» حال عن المجرور في «لكم» : ما لكم حالكونهم في المنافقين فئتين ، فئة مسايرة معهم مصابرة ، وجاه فئة ماضية على أمر الله ورسوله مقاتلة و (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٣٣ : ٣٦).
(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) والركس هو الانقلاب على الوجه إلى الدبر ، فالإركاس هو الإقلاب كذلك ، فقد أركسهم الله إلى جاهر كفرهم بما كسبوا في نفاقهم العارم ، وأركسهم إلى أحكام الكفار بعد إذ كانوا بظاهر إسلامهم بأحكام المسلمين.
__________________
ـ فتصدق الرواية القائلة أنهم الذين تخلفوا عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(١). المصدر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن نفرا من طوائف العرب هاجروا الى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فمكثوا معه ما شاء الله أن يمكثوا ثم ارتكسوا فرجعوا الى قومهم فلقوا سرية من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فعرفوهم فسألوهم ما ردكم فاعتلوا لهم فقال بعض القوم لهم نافقتم فلم يزل بعض ذلك حتى فشى فيهم القول فنزلت هذه الآية ، وفي الصحيحين عن زيد بن ثابت أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خرج الى أحد فرجع ناس خرجوا معه فكان أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيهم فرقتين فرقة تقول نقتلهم وفرقة تقول : لا ـ هم المؤمنون فأنزل الله «فما لكم ..» فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنها طيبة وإنها تنفي الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد.