اتجاها الى إصلاح الحال ما ساعد المجال ب «عظهم» عظة بالغة تبلغ بهم الى صالح الإيمان (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) لا قولا في أسماعهم ، بل «في أنفسهم» ـ (قَوْلاً بَلِيغاً) في بعدية : بعد هو صالح القول ، وآخر هو الواصل الى أنفسهم.
فقد يكون القول صالحا في حد نفسه ولكنه غير بالغ الى الأنفس فلا يفيد ، أم طالحا بالغا الى الأنفس فإضلال ، والقول الرسالي يجمع بين البلوغين في القول ؛ أنه بالغ في حد نفسه ، وبالغ الى الأنفس ، والكلام إذا خرج من القلب دخل في القلب وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان.
ثم (قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) ليست لتختص بالمنافقين مهما نزلت بشأنهم ، فإنها مسئولية الداعية الربانية على مدار الزمن الرسالي مهما كانت الأنفس درجات في تقبل الدعوة ، فلكلّ قول في أنفسهم بليغا الى شغافها ، محلقا على كل كيانها حتى تعيش الأنفس المدعوة قول العظة وعظة القول البليغة.
ومن الشروط الرئيسية في بليغ القول الى الأنفس تحققه في نفس الداعية بصورة معلنة ، إضافة الى بلاغته منطقيا وعظة سابغة بالغة تبلغ النفوس غير المختوم عليها ، أو قد تفتح المختومة غير المحتومة في ختمها.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٦٤).
ليس الرسول أيا كان إلّا مطاعا بإذن الله ، فكما أن رسالته هي بإذن الله ، بالوحي ـ المأذون ـ إليه من الله ، كذلك طاعته ليست إلّا بإذن الله ، دون تعدّ عن طوره ، فقد أرسل كل رسول ليطاع رسالة بإذن الله في طاعته.