والتفسير بهم ليس إلا من جري التأويل لأصدق مصاديقهم في العلم والايمان ، و «العلم» هنا بمناسبة المورد هو العلم بالقرآن ، وهو بصورة طليقة لائقة طليق العلم به في مثلّثه : معرفة وعقيدة وإيمانا قلبيا ، وكلّ منها قد تكفي للخروج عن «زيغ» الذي يدفع إلى اتّباع المتشابه ، مهما كان الزيغ في العلم قد يدفع الى اتباع المتشابه كزيغ العقيدة والايمان ، فلا بد إذا من رسوخ في الايمان كأصل ، ومن ثمّ رسوخ في العقيدة التي هي لزام الإيمان ، ورسوخ في علم المعرفة.
وأفضل الراسخين في العلم هو أفضلهم في هذه الثلاث ، ثم الراسخ في علم الإيمان ـ على مراتبه ـ ومن ثمّ الراسخ في المعرفة ـ على مراتبها (١).
ومما يشعرنا أنّ أصل العلم هنا هو الإيمان (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) حيث الخشية هي من مخلفات الإيمان قدره ، فقد يكون عالما عقليا ومعرفيا وليس له ذلك العلم الإيمان الذي يخشى به الله ، فهو ـ إذا ـ العلم الخاشي.
ثم الواو في (إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) كما تتحمل العطف ، انهم يعلمون تأويله كما الله مهما اختلفت الدرجات ، كذلك الاستئناف ، أنهم لا يعلمون تأويله كله ، فما علموا منه فهو ، وما جهلوا منه اعترفوا بجهلهم والايمان به كما علموا منه كما في العلوي (عليه السلام) حيث سأله رجل هل تصف لنا ربك نزدد له حبا ومعرفة فغضب (عليه السلام) وخطب الناس فقال فيما قال : عليك يا عبد الله بما دلّك عليه القرآن من صفته وتقدمك فيه الرسول
__________________
(١) نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام ، وفي النبوي (ص) أنزل القرآن على سبعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بالجهالة به وتفسير تفسره العرب وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلّا الله ومن ادعى علمه سوى الله فهو كاذب (الدر المنثور أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) : ...).