(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من معرفته فأتمّ به واستضىء بنور هدايته فإنما هي نعمة وحكمة أوتيتها فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين وما كلفك الشيطان عليه مما ليس عليك في الكتاب فرضه ولا في سنة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والائمة الهداة أثره فكل علمه إلى الله ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين واعلم يا عبد الله ان الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السّدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا آمنا به كلّ من عند ربنا فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمّى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه (عن كهنه) منهم رسوخا (١).
ففصل القول هنا في الراسخين في العلم انهم يعلمون من تأويل القرآن ما علمهم الله دون من سواهم ، ويجهلون ما اختص الله بعلمه من التأويل ، ومما يعلمونه تأويل الأحكام تأويل المبدء والختام ، فلهم في تأويل مبادئ الأحكام استنباط غير المنصوص في القرآن سنادا الى تأويل المنصوص ، وليس لغير المعصومين ذلك التأويل اللهم إلا القليل الذي له دليل او العليل الذي لا يروّى الغليل.
فالمنزلة الوسطى والطريقة المثلى في موقف الراسخين في العلم من علم التأويل هي ألّا يخرجوا من علم التأويل جملة ، ولا يدخلوا فيه جملة ، بل هم عوان بينهما ، يعلمون منه ما علمهم الله من واجب المعرفة الواجبة لأئمة الأمة ، ولا يعلمون ما اختص الله بعلمه.
__________________
(١) في النهج والإحتجاج في كلام لعلي (ع) في ذم القضاء السوء ـ إلى أن قال ـ : وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضا وأنه لا اختلاف فيه ـ فذكر الآية ثم قال : ـ وإن القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لا تحصى عجائبه ولا تنقضي غرائبه ولا تكشف الظلمات إلّا به.