ومما لا يعلّمه تأويل الحقائق المحكية عنها بالقرآن ، قدر ما عند الله ، فانه مخصوص بالله ، ولا يخص تأويل القرآن بمتشابهه بل ويعم محكمه ، مهما كان الأول أعضل.
وزيغ القلب هنا لا يعني زيغه في كل الحقول لمكان «زيغ» منكرا ، الشاملة لكل زيغ ، فقد يزيغ علما دون زيغ في ايمان ، ام يزيغ ايمانا وليس له علم حتى يزيغ ، او يزيغ علما وايمانا فوا ويلاه ، وثالث هذا الثالوث هو رأس الزاوية في الزيغ الذي يسبب كل فتنة في اتباع المتشابه والتأويل.
٩ وجه اشتمال الكتاب على متشابهات بجنب المحكمات موجّه في معنى التشابه والإحكام كما بيناه ، فليس التشابه امرا قاصدا في قصور دلالي وإجمال متعمّد حتى ينافي بيان القرآن ، بل هو كأصل مما لا بدّ منه في عرض المعارف الإلهية ذاتا وصفات وافعالا ، وفي عرض المنسوخ كما الناسخ ، وهو كهامش على ذلك الأصل طبيعة الحال في مختلف الإدراكات والاستعدادات لحدّ تصبح آية محكمة عند جماعة متشابهة عند آخرين ، حيث المتشابه ـ في أوضح تعريف به ـ ما اشتبه علمه على جاهله ، والتشابه في كل حقوله هو لزام الكتب العلمية على الإطلاق ، فضلا عن القرآن الذي يحمل كل ما تحتاجه البشرية الى يوم القيامة ـ إلا ما بالإمكان ان يحصل عليه ـ ففي حقل التشريع الكافل لكافة الحاجات يستحيل عدم التشابه لكافة المكلفين قضية اختلاف الفاعليات والقالبيات والاستعدادات في تفهم الكلام.
والمشكلة العويصة انما هي المتشابهات التي لا تفسير لها حكيما صالحا ولا نجد هكذا التشابه في القرآن عن بكرته ، فان لكل متشابهة من آياته محكما قد تكون هي نفس المتشابهات بامعان النظر وإجالة الفكر ، اللهم إلّا المتشابهات التأويلية التي ليس على اهل القرآن تأويلها ، لأنه راجع الى الراسخين في