١٢٣) وثالثتها في الجاثية : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ. وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٤٥ : ١٦).
وإنها تحدد موقف هذا التفضيل مبدئيا انه ليس فوضى جزاف ، وإنما جعلت فيهم النبوة ونجاهم الله من آل فرعون مغبّة أن يؤمنوا ، فقد فضّلوا هكذا لكي يحملوا الرسالة ، رسلا كما حملوها ، ثم أمة فمنهم من حملها ومنهم دون ذلك ، فلما بغوا وطغوا فلم يحملوها أمة بدلت الفضيلة رذيلة حيث بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار.
كما أن هذه الفضيلة ـ في موقفها ـ تتحدد بالعالمين زمنهم ، أو ومنذ بزوغ الرسالات حتى الرسالة الموسوية ، ومن ثم العيسوية وما بينهما ، دون أن تعدوها إلى ما بعدها : (.. ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) حيث هي تتلو في الجاثية آية بغيهم بعد تفضيلهم.
إذا فهي فضيلة محددة وقتيا وفي إطار الإيمان ، وأما بعد الرسالة الإسلامية ، وأما بعد كفرهم وتكذيبهم بآيات الله ، وأنهم كانوا أوّل كافر بها إذ جاءت ، إنهم بعد هذا وذاك أصبحوا من أرذل الأمم ، مهما كان المؤمنون منهم أفضل الأمم قبل الإسلام.
فإنما الايمان وعمل الصالحات فقط هما المنجيان يوم الجزاء ، دون الانتسابات الجوفاء والهويات والأمنيات الفارغة : الهباء ، ف (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٤ : ١٢٣).