وقال الفراء على ما نقله في كتاب مجمع البيان (١) تعلمون نشوزهن ، قال : وقد يكون الخوف بمعنى العلم ، وهو ظاهر جملة من الأصحاب كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
الثاني : إن هذه الأمور الثلاثة المذكورة في الآية على التخيير أو الجمع أو الترتيب بالتدرج من الأخف إلى الأثقل ، وهو جل شأنه قد ذكر الثلاثة متعاطفة بالواو ، والمفيدة للجمع ، وقد ذهب ابن الجنيد إلى الجمع في هذه الأمور الثلاثة كما هو ظاهر الواو ، وجعلها مترتبة على النشوز بالفعل ، ولم يتعرض للحكم مع ظهور أماراته ، وكأنه حمل الخوف على معنى العلم كما تقدم نقله عن الفراء ، وأبقى الواو على ظاهرها من إفادة الجمع ، وذهب جمع منهم المحقق في النافع إلى أن هذه الأمور الثلاثة مترتبة ، لكن المحقق اعتبر في الوعظ ظهور أمارة العصيان ، وفي الهجر عدم إفادة الوعظ ، وفي الضرب عدم إفادة الهجر.
وأنت خبير بأنه إذا لم يفد الوعظ يكون النشوز متحققا بالفعل.
والعلامة في الإرشاد جعل الأمور الثلاثة مترتبة على النشوز بالفعل مع كونها في نفسها مرتبة وهو ظاهر كلام الثقة الجليل علي بن إبراهيم الآتي إن شاء الله تعالى.
وظاهر جماعة منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد جعل الأمور الثلاثة منزلة على الحالين ـ أعني ظهور أمارات النشوز ، وتحققه بالفعل ـ فإنهم جعلوا الوعظ والهجر معلقا على ظهور أماراته ، والضرب منوطا بحصوله بالفعل ، والعلامة في التحرير وقوله جمع من الأصحاب فصلوا في المسألة تفصيلا آخر فجعلوه الأمور الثلاثة مترتبة على مراتب ثلاثة من حالها ، فمع ظهور أمارات النشوز يقتصر على الوعظ ، ومع تحققه قبل الإصرار ينتقل إلى الهجر ، فإن لم ينجع وأصرت انتقل إلى الضرب ، واستقر به السيد السند في شرح النافع قال : فيكون معنى الآية «وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ» فَعِظُوهُنَّ) ، فإن نشزن فاهجروهن
__________________
(١) مجمع البيان ج ٣ ص ٤٣.