ومن ثمّ أشرنا في ذيل الأخبار التي استدل بها على عدم حجية الخبر الى عدم نهوضها في مقابل الإجماع والتسالم على الحجية بين الأصحاب.
أما الوجه الثالث فليس هو إلا مقتضيا للحجية فيتعين رفع اليد عنه بظهور الادلة الرادعة ، لأن الظهور حجة فعلية صالحة للردع ، كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
أما الوجه الأول : فيمكن تحصيله بتتبع طريقة العلماء في مقام الاستدلال من زماننا إلى زمان الشيخين بل ما قبلهما من أرباب الفتاوى ، سواء كانوا في مقام تحرير الفتاوى مجردة ، أم في مقام بيانها بطريق إيداع الرواية ـ كما هو حال مثل الصدوق قدّس سرّه في الفقيه ـ فإنا نجدهم متسالمين على الاستدلال باخبار الآحاد ، والفتوى في فروع ليس فيها إلا خبر واحد لا يوجب العلم ، لا يتناكرون ذلك ، ولا يتوقفون فيه.
ويقطع بأنهم في ذلك قد جروا على سنن من كان قبلهم من معاصري الأئمة عليهم السّلام وأصحابهم. لامتناع الابتداع في مثل ذلك ، لتعذر اتفاقهم عليه دفعة واحدة في عصر واحد عادة. وانفراد بعضهم في بعض العصور ـ ثم شيوع طريقته بين المتأخرين عنه ـ مثار الانكار والتشنيع من معاصريه وأتباعهم ، ولو كان لوصل ، لأهميته وتوفر الدواعي لنقله ، كما هو ظاهر.
وأما احتمال استناد عمل القدماء للقرائن القطعية المحتفة بالأخبار لحجيتها في أنفسها ، وقد اشتبه ذلك على المتأخرين عنهم فظنوا اتفاقهم على حجيتها ، فعملوا بها لذلك بعد ضياع القرائن عليهم.
فلا مجال له ، لأن تحري القرائن القطعية في جميع الفروع الفقهية محتاج إلى عناية خاصة لو كان بناء القدماء عليها لما خفي على المتأخرين مع تقارب العصور واتصال بعضهم ببعض وأخذ كل عمن قبله.
والإنصاف : أن التأمل في ذلك يوجب وضوح الحال بنحو يغني عن