بسبب خطأ القطع وعدم نصب الشارع لطرق مأمونة الخطأ ، وعدم وجوب الاحتياط شرعا في أكثر موارد الشك ، بل يجوز الرجوع لمقتضى البراءة ولو بحكم العقل ، فلا بد إما من دفع هذه الشبهة في هذه الموارد ، فتندفع في ما نحن فيه ، لأنه من سنخها ، أو إهمالها فيها ، لأنها من سنخ الشبهة في مقابل البديهة ، فتهمل في ما نحن فيه أيضا.
وقد تصدّى بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه لدفع الشبهة من أساسها بنحو ـ لو تم ـ ينفع على جميع مباني المسألة. إلا أنه لطوله وكثرة مقدماته لا يسعنا استقصاؤه ، وقد لخصه سيدنا الأعظم قدّس سرّه واقتصر منه على ما يناسب القول بجعل الطرق لمحض الطريقية ، وهو يبتني على أمرين.
الأول : أن منشأ تضاد الأحكام هو تنافي الإرادة والكراهة والرضا التي هي المعيار في كون الحكم حقيقيا ، وتنافيها ناشئ من تنافي مباديها وهي ترجح الوجود على العدم ، وترجح العدم على الوجود ، وتساويهما في نظر المولى ، لاستحالة اجتماع هذه الأمور في شيء واحد.
إلا أن يكون للشيء الواحد جهات من الوجود ، فيمكن اتصافه بكل من هذه الأمور بلحاظ كل جهة من جهاته ، فيكون وجوده أرجح من عدمه بلحاظ جهة وعدمه أرجح من وجوده بلحاظ جهة اخرى ، وعليه فالوجود الواحد إذا كان له مقدمات متعددة تتعدد جهاته بتعدد تلك المقدمات ، فكما يمكن أن يكون وجوده أرجح من عدمه من جميع الجهات الموجب لإيجاده بإيجاد جميع مقدماته ، كذلك يمكن أن يكون وجوده أرجح من عدمه بلحاظ بعض جهاته ، فيتعلق الغرض بإيجاده من تلك الجهة دون بقية الجهات ، وهو يقتضي إيجاد المقدمة المتعلقة بالجهة المرادة دون بقية المقدمات ، بل قد يكون عدمها أرجح من وجودها ، فتتعلق الكراهة بالفعل من جهتها ، كما تعلقت الإرادة به من الجهة الاولى ، ولا محذور حينئذ في اجتماع الضدين في الشيء الواحد