ثم أوضحت السبب في إنكار المشركين في مكة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وهو أنه بشر مثلهم ، وعجزه عن الإتيان بآيات فذة ومعجزات باهرة مادية ، كما أتى بها الأنبياء السابقون مثل موسى وعيسى ، فرد القرآن عليهم بأن الأنبياء جميعا كانوا بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، ثم أنذرهم بالإهلاك ، كما أهلك بعض الأمم المتقدمة لتكذيبهم رسلهم ، ولفت أنظارهم إلى عظمة خلق السموات والأرض ، وإلى أن الملائكة طائعون لله ، منقادون لأمره ، ينفّذون ما أمروا به من التعذيب بسرعة لا تعرف التردد والانتظار ، ونعى على من ادعى أنهم بنات الله تعالى.
ثم ناقشهم القرآن في اتخاذهم آلهة من دون الله ، وطالبهم بالدليل على ادعائهم ، وأقام البرهان على وحدانية الله ؛ إذ لو كان في السماء والأرض آلهة إلا الله لفسدتا ، ووصف النشأة الأولى للسموات والأرض ، وأنهما كانتا رتقا ففصلتا ، وأبان أن الجبال أوتاد للأرض حتى لا تميد بأهلها ، وأن الله تعالى خالق الليل والنهار والشمس والقمر ، ثم تكون النهاية الموت والفناء لكل شيء ، حتى للملائكة والأنبياء ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ، وأوضح أن استعجال الكافرين العذاب غباء وطلب في غير محله ؛ فإن العذاب قريب ، والساعة آتية لا ريب فيها ، وأنها تأتيهم بغتة فتبهتهم ، وأن موازين الحساب دقيقة وفي أتم عدل ، فلا يبخس أحد شيئا من حقه ، ولا يظلم إنسان مثقال حبة من خردل.
وتحقيقا لهاتيك الغايات وتأكيدا عليها ، جاءت الأمثال الواقعية تنذر وتذكّر ، من خلال إيراد قصص بعض الأنبياء كموسى وهارون ، وإبراهيم ولوط ، وإسحاق ويعقوب ، ونوح ، وداود وسليمان ، وأيوب وإسماعيل ، وإدريس وذي الكفل ، ويونس وزكريا ويحيى ، وعيسى عليهمالسلام.
وأثبت القرآن عقب ذلك وحدة مهام الأنبياء وهي الدعوة إلى عبادة الله ، وتطمين المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجزاء الحسن ، وأن الأمم المعذبة في الدنيا سترجع حتما إلى الله في الدار الآخرة لعذاب آخر.