(فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي تنزه الله تعالى وتقدس عن الذي يفترون ويقولون : إن له ولدا أو شريكا ، وتعالى عما يأفكون علوا كبيرا ، فهو رب العرش المحيط بهذا الكون.
ونظير الآية : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ ، وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ ، إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ، وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [المؤمنون ٢٣ / ٩١].
وتأكيدا لهذا التنزيه قال تعالى :
(لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، وَهُمْ يُسْئَلُونَ) أي لا يسأل تعالى عن أفعاله ، فهو الحاكم الذي لا معقّب لحكمه ، ولا يعترض عليه أحد ، لعظمته وجلاله وكبريائه ، وعلمه وحكمته ، وعدله ولطفه ، وإنما يسأل خلقه عن أفعالهم ، ما عملوا وما سيعملون ، وهذا كقوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر ١٥ / ٩٢ ـ ٩٣] وقوله سبحانه : (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) [المؤمنون ٢٣ / ٨٨].
ثم كرر تعالى الإنكار على المشركين استفظاعا لشأنهم ، واستعظاما لكفرهم فقال : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ : هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي أيصح بعد هذه الأدلة أن يتخذوا آلهة دون الله ، ويصفوا الله بأن له شريكا؟ فإن وصفتم الله تعالى بأن له شريكا ، فهاتوا برهانكم على ذلك ، إما من العقل وإما من الوحي ، فإنكم لا تجدون كتابا من كتب الأولين كالتوراة والإنجيل إلا وفيه تقرير توحيد الله وتنزيهه عن الشركاء ، كما أن العقل كما تقدم يرفض وجود إلهين ، وأشار فيما يأتي إلى الدليل النقلي فقال :
(هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) أي هذا الوحي الوارد في معنى توحيد الله ونفي الشركاء عنه ، ورد علي ، كما ورد على جميع الأنبياء ، فهو ذكر