٤ ـ قال الثعلبي في آية (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً ..) : وفي الآية دليل على أن الأنبياء يجوز عليهم السهو والغلط بوسواس الشيطان ، أو عند شغل القلب حتى يغلط ، ثم ينبّه ويرجع إلى الصحيح ؛ وهو معنى قوله : (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ).
ولكن إنما يكون الغلط على حسب ما يغلط أحدنا ، فأما ما ينسب إليه من قولهم : تلك الغرانيق العلا ، فكذب على النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن فيه تعظيم الأصنام ، ولا يجوز ذلك على الأنبياء ، كما لا يجوز أن يقرأ بعض القرآن ، ثم ينشد شعرا ، ويقول : غلطت وظننته قرآنا.
٥ ـ وحكمة أخرى لإلقاء الشيطان هي أن يعلم المؤمنون أن الذي أحكم من آيات القرآن هو الحق الصحيح الثابت من الله ، فيؤمنوا به ، وتخشع وتسكن قلوبهم ، وإن الله يهدي المؤمنين إلى صراط مستقيم ، أي يثبّتهم على الهداية.
٦ ـ سيظل الكفار في شك من القرآن أو من الدين ؛ وهو الصراط المستقيم ، أو من الرسول ، أو مما ألقى الشيطان على لسان محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو لم يقله ، فيقولون : ما باله ذكر الأصنام بخير ، ثم ارتدّ عنها؟ ويستمر الشك إلى وقت مجيء زمن الإيمان القسري أو الملجئ فجأة وهو إما يوم القيامة وإما الموت ، وإما يوم الحرب كبدر ، وذلك يوم عقيم. وقد تبين لدينا أن الراجح في تفسير اليوم العقيم هو يوم القيامة ، قال الضحاك : عذاب يوم لا ليلة له ، وهو يوم القيامة. قال الرازي : وهذا القول أولى ؛ لأنه لا يجوز أن يقول الله تعالى : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ) ويكون المراد يوم بدر ؛ لأن من المعلوم أنهم في مرية بعد يوم بدر. ولا يكون هناك تكرار بينه وبين قوله (السَّاعَةُ) لأن الساعة من مقدمات القيامة ، واليوم العقيم هو ذلك اليوم نفسه ، كما أن في الأول ذكر الساعة ، وفي الثاني ذكر عذاب ذلك اليوم. ويحتمل أن يكون المراد