أحدهما ـ أن عند الله حدا من الكفر من بلغه عذّبه ، ومن لم يبلغه لم يعذبه.
والثاني ـ أن الله لا يعذب قوما حتى يعلم أن أحدا منهم لا يؤمن. فأما إذا حصل الشرطان : وهو أن يبلغوا ذلك الحد من الكفر ، ويعلم الله أن أحدا منهم لا يؤمن ، فحينئذ يأمر الأنبياء ، فيدعون على أممهم ، فيستجيب الله دعاءهم ، فيعذبهم بعذاب الاستئصال ، وهو المراد من قوله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ) أي من إجابة القوم ، وقوله لنوح : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ). وإذا عذبهم فإنه ينجي المؤمنين ؛ لقوله : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي بالعذاب ، نجينا هودا (١).
٤ ـ كثير من أهل القرى أهلكهم الله ، حال استمرارهم على الظلم وهو الكفر ، فتصبح بيوتهم خاوية على عروشها ، أي ساقطة أو خالية من أهلها ، كما تصبح آبارهم معطلة عن وارديها وسقاتها ، وقصورهم المرفوعة البنيان خربة أو خالية من سكانها ، فتحل الوحشة محل الأنس ، والإقفار بعد العمران.
وفي ذلك موعظة وعبرة وتذكرة ، وتحذير من مغبّة المعصية ، وسوء عاقبة المخالفة لأوامر الله تعالى ونواهيه.
٥ ـ قوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) حثّ واضح على الاعتبار بآثار الأمم البائدة التي أهلكها الله بكفرها وظلمها ، فإذا اعتبر الناس بذلك كانوا منتفعين بحق بحواسهم وإدراكاتهم وعقولهم ، وإن لم يعتبروا كانوا معطلين لتلك الطاقات والنعم ، فاستحقوا العقاب.
ومن كان في الدنيا أعمى بقلبه عن الإسلام ، فهو في الآخرة في النار.
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٣ / ٤٣