(إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي إن الله هو القوي القادر على نصر أهل طاعته المجاهدين في سبيله ، وهو المنيع الذي لا يقهر ، ولا يغلبه غالب ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات ٣٧ / ١٧١ ـ ١٧٣]. وقوله سبحانه : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ، إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة ٥٨ / ٢١].
ثم وصف الله تعالى المهاجرين المؤمنين الجديرين بالنصر فقال :
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ ..) أي إن هؤلاء المهاجرين الذين بوأهم الله السلطة على الناس ، وأعطاهم النفوذ بين العالم إن مكنهم من الأرض وأعطاهم السلطة ، فإنهم يأتون بالأمور الأربعة : وهي إقامة الصلاة المفروضة على الوجه الأكمل ، وإيتاء الزكاة الواجبة ، والأمر بالمعروف (وهو ما أمر به شرعا وحسن عقلا) والنهي عن المنكر (وهو ما حظر شرعا وقبح عقلا) فدعوا إلى توحيد الله وإطاعته ، ونهوا عن الشرك وقاوموا أهله. وهذه الآية كقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) [النور ٢٤ / ٥٥].
(وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي إن مرجع الأمور إلى حكمه تعالى وتقديره في الثواب والعقاب على ما عملوا ، كقوله تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف ٧ / ١٢٨] وفيه تأكيد لما وعد تعالى من نصر أوليائه وإعلاء كلمتهم.
فمن تأمل النصر على الأعداء من اليهود وغيرهم ، فليعمل بهذه الأوصاف الأربعة التي التزمها المهاجرون والمجاهدون الأولون.
ومجمل الآيات أنه إنما أحللت لهم القتال ؛ لأنهم ظلموا ، ولم يكن لهم ذنب مع الناس إلا أن يعبدوا الله ، وأنهم إذا ظهروا في الأرض أقاموا الصلاة.