فعلى القول الأول للأكثرين : يكون المقصود بالآية : (أُذِنَ ..) إباحة القتال ومشروعيته ، والمأذون فيه هو القتال حقيقة ، وحذف لدلالة السياق عليه ، والمراد بهم المهاجرون ، بدليل وصفهم بالإخراج من الديار بغير حق.
وعلى القول الثاني لبعضهم : يكون المراد حكاية الإذن الحاصل من قبل توطئة لبيان أسباب المشروعية.
وعلى قراءة المبني للمجهول (يُقاتَلُونَ) يكون وصفهم بالقتال الواقع عليهم فعلا على حقيقته ، سواء قيل : إنها أول آية نزلت في القتال أم لا ؛ لأن قتال المشركين واضطهادهم لهم ، كان حاصلا على كل حال.
وعلى قراءة المبني للمعلوم يقاتلون إذا قيل : إنها ليست أول آية نزلت في القتال يكون وصفهم بالقتال على حقيقته أيضا ، وأما إذا قيل : إنها أول آية نزلت في الجهاد فيكون وصفهم بالقتال إما على معنى أو على تقدير : إرادة القتال ، أي يريدون قتال المشركين ويحرصون عليه ، وإما على إرادة استحضار ما يكون منهم في المستقبل ، أي ما سيعدون أنفسهم عليه من لقاء المشركين.
وعلى كل حال يكون المراد بالآية بيان سبب الإذن في القتال وهو دفع الظلم والإيذاء ، فإن المشركين آذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأشد أنواع الإيذاء الأدبية والجسدية ، فإنهم اتهموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ، ووضعوا التراب على رأسه ، وألقوا سلا جزور على كتفيه وهو ساجد بين يدي ربه ، وأغرت ثقيف سفهاءهم حتى رموه بالحجارة وأدموه واختضب نعلاه بالدم. وآذوا أيضا أتباعه وأنصاره فعذبوهم بالضرب والجلد ، والقتل ، والإلقاء في حر الشمس في بطحاء مكة ، ووضعوا الحجارة على صدورهم ، وحاولوا فتنتهم عن دينهم ، فلم يزدهم التعذيب إلا إصرارا على التمسك بعقيدتهم ، فلا يصدر عنهم إلا القول : أحد أحد.
ولست أبالي حين أقتل مسلما |
|
على أي جنب كان في الله مصرعي |