وتمسكوا بهذه الأمور حنفاء لله ، أي مخلصين له الدين ، منحرفين عن الباطل ، قصدا إلى الحق ، دون إشراك بالله أحدا. والحنيف : المائل عن الديانات الباطلة إلى الدين الحق.
ثم ضرب للمشرك مثلا في ضلاله وهلاكه وبعده عن الهدى بجملة مستأنفة مقررة لوجوب اجتناب الشرك ، فقال : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ ...) أي ومن أشرك مع الله إلها آخر ، وعبد غيره ، فقد خسر خسرانا عظيما وهلك هلاكا مبينا ، وهو في شركه شبيه بمن سقط من جو السماء ، فتخاطفته الطيور ، أي قطعته ومزقته في الهواء ، وأخذ كل منها بقطعة منه ، فتم هلاكه ؛ أي هو كمن عصفت به الريح ، فهوت به في مكان بعيد مهلك ، لا يكون له منه خلاص ولا نجاة. والغرض من هذين التشبيهين التمثيليين تقبيح حال الشرك والتنفير منه.
ثم ذكر الله تعالى سبب تعظيم الشعائر فقال :
(ذلِكَ ، وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ ، فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) أي الأمر ذلك المذكور ، ومن يعظم الهدايا (المواشي التي تذبح هدية للحرم) لأنها من معالم الحج ، بأن يختارها جسيمة سمينة غالية الثمن ، أو من يعظم أوامر الله ومناسك الحج ، ومنها تعظيم الهدايا والبدن باستسمانها واستحسانها ، كما قال ابن عباس ، فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب ، فحذفت هذه المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها ، كما ذكر في الكشاف. فقوله : (فَإِنَّها) عائد إلى حالة المعظم التي يدل عليها فعل (وَمَنْ يُعَظِّمْ) أو التعظيمة الواحدة. قال ابن العربي عن الشعائر : والصحيح أنها البدن.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم أهدى مائة بدنة ، فيها جمل لأبي جهل ، في أنفه برة من ذهب ، أي حلقة من ذهب. وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمر قال : أهدى عمر نجيبا ، فأعطي بها ثلاث مائة دينار ، فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال :