قال : «أربعون سنة». وقد قال الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) الآيتين [آل عمران ٣ / ٩٦ ـ ٩٧] وقال تعالى : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة ٢ / ١٢٥].
(أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ ..) أي وقلنا له : ابنه على اسمي وحدي ، ولا تشرك بي شيئا من خلقي في العبادة ، وطهّر بيتي من الشرك والأوثان والأصنام والأقذار أن تطرح حوله ، واجعله خالصا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له ، فالطائف به يخص العبادة بالله تعالى ، لا يفعل ببقعة من الأرض سواها ، والقائم في الصلاة أو الدعاء لله ، والراكع الساجد لله تعالى فيها. وقد قرن الطواف بالصلاة ؛ لأنهما لا يشرعان إلا مختصين بالبيت ، فالطواف عنده ، والصلاة إليه ، فالقائمون : هم المصلون ، وذكر تعالى من أركان الصلاة أعظمها وهو القيام والركوع والسجود.
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ ..) أي ناد في الناس بالحج ، داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه ، يأتوك راجلين ماشين ، وراكبين على كل بعير ضامر مهزول ، من كل طريق بعيد. والأذان والتأذين : الاعلام برفع الصوت على نحو ما يكون للصلاة. والمراد هنا : النداء في الناس بأن الله قد كتب عليهم الحج ودعاهم إلى أدائه.
روي أنه لما أمر إبراهيم عليهالسلام بالأذان للحج قال : يا ربّ ، وما يبلغ صوتي؟ قال : أذّن وعليّ الإبلاغ ، فصعد إبراهيم خليل الله جبل أبي قبيس وصاح : يا أيها الناس ، إن الله قد أمركم بحج هذا البيت ، ليثيبكم به الجنة ، ويجيركم من عذاب النار ، فحجّوا ، فأجابه من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، لبّيك اللهم لبّيك (١). وهذا معجزة خارقة للعادة ، فهو سبحانه قادر على إيصال صوت إبراهيم إلى من يشاء في أنحاء الأرض والسماء.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٢ / ٣٨ ، وسيأتي تخريج الرواية.