وأحوالهم سارة ، فهم لا يسمعون حسّ النار وحركة لهبها وحريقها الأجساد ، ويتمتعون بنحو دائم فيما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، كما قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ، وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) [فصلت ٤١ / ٣١]. ولا يحزنهم الفزع الأكبر الذي يصيب غيرهم وهو أهوال يوم القيامة والبعث ، وتستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يهنئونهم ويقولون لهم : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) فما أجمل هذا الاستقبال والترحاب الحار الصادق ، وما أحسنه اطمئنانا وإسعادا للنفس!!
٥ ـ الثابت في هذه الآية : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) وغيرها على أن السموات والأرض تتبدل يوم القيامة ، كما قال تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) [إبراهيم ١٤ / ٤٨].
٦ ـ والثابت أيضا أن الله تعالى سيحشر الناس من قبورهم ويعيدهم خلقا جديدا أحياء ، كما خلقهم في المرة الأولى يوم بدئوا بالخلق في البطون. روى النسائي عن ابن عباس عن النبيصلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلا ـ غير مختونين ـ أوّل الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليهالسلام ، ثم قرأ : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ)». وأخرجه مسلم أيضا عن ابن عباس قال : قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بموعظة فقال : «يا أيها الناس ، إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ، وَعْداً عَلَيْنا ، إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليهالسلام».
٧ ـ المقرر في جميع الكتب السماوية المنزلة أن أرض الجنة في الآخرة ، وكذا الأرض في الدنيا ـ كما يفهم من إطلاق الآية ـ يرثها عباد الله الصالحون. والصالحون للآخرة هم المؤمنون العاملون بطاعة الله ، والصالحون للدنيا : من يصلح لعمارتها والقيام بحقها.