«نحن معاشر الأنبياء أولاد علّات (١) ديننا واحد» يعني أن المقصود هو عبادة الله وحده لا شريك له ، بشرائع متنوعة لرسله ، كما قال تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة ٥ / ٤٨] فليس الاختلاف في أصول العقيدة والأخلاق والفضيلة والعبادة ، وإنما الاختلاف في الفروع والجزئيات والأشكال بحسب الاختلاف في الأزمنة والعصور.
(وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي إن الأمم اختلفت على رسلها ، بين مصدق لهم ومكذب ، وفرقوا أمر دينهم بينهم فرقا شتى ، وهذا بطريق الالتفات إلى الغيبة للتقبيح ، والأصل : وتقطعتم ، كأنه ينقل عنهم ما أفسدوه إلى آخرين ، ويقبّح عندهم فعلهم ، ويقول لهم : ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء. والمعنى : جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا ، كما تتوزع الجماعة الشيء ويقسمونه ، فيصير لهذا نصيب ، ولهذا نصيب ، تمثيلا لاختلافهم فيه ، وصيرورتهم فرقا وأحزابا شتى. وهذا التفرق في أمر الدين الواحد معيب شنيع ، ولهذا قال تعالى متوعدا على فعلهم :
(كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) أي كل فرقة منهم سيرجعون إلينا يوم القيامة ، فنجازي كل واحد بحسب عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر. وطريق الجزاء ومنهاجه هو :
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ ، وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) من : للتبعيض لا للجنس إذ لا قدرة للمكلف أن يأتي بجميع الطاعات كلها ، فرضها ونفلها ، والمعنى : ومن يعمل عملا صالحا موافقا لمنهاج الله تعالى ، وهو بقلبه ولسانه مصدق بربه ورسله ، أو من يعمل شيئا من الطاعات وهو موحد مسلم ، فلا تضييع لسعيه ، ولا بطلان لثواب عمله ، ولا جحود لعمله ،
__________________
(١) أولاد العلّات : أولاد الرجل من نسوة شتى.