فعل الطاعات ، وعمل القربات ، والمراد أنهم ما استحقوا الإجابة إلى طلباتهم إلا لمبادرتهم أبواب الخير ، ومسارعتهم في تحصيلها ، كما يفعل الراغبون في الأمور الجادة.
(وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) أي ويدعوننا رغبة في رحمتنا وفضلنا ، وخوفا من عذابنا وعقابنا ، وكانوا لنا متواضعين متذللين. والمعنى أنهم ضموا إلى فعل الطاعات والمسارعة فيها أمرين :
أحدهما ـ الفزع إلى الله تعالى ، رغبة في ثوابه ، ورهبة من عقابه.
والثاني ـ الخشوع : وهو المخافة الثابتة في القلب ، أو الخوف اللازم للقلب ، لا يفارقه أبدا.
روى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر رضياللهعنه ، ثم قال : «أما بعد ، فإني أوصيكم بتقوى الله ، وتثنوا عليه بما هو له أهل ، وتخلطوا الرغبة بالرهبة ، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة ؛ فإن الله عزوجل أثنى على زكريا وأهل بيته ، فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ، وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً ، وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ)».
ثم يذكر الله تعالى قصة مريم وابنها عيسى عليهماالسلام مقرونة بقصة زكريا وابنه يحيى عليهماالسلام ، كما هو المعتاد في كلامه تعالى ، فيذكر أولا قصة زكريا ، ثم يتبعها بقصة مريم ؛ لأن تلك مربوطة بهذه ، فإنها إيجاد ولد من شيخ كبير طاعن في السن ، ومن امرأة عجوز عاقر ، لم تكن تلد في حال شبابها. أما قصة مريم فهي أعجب ، فإنها إيجاد ولد من أنثى بلا ذكر.
حدث هذا الاقتران بين القصتين في سورتي آل عمران ومريم ، وهاهنا في سورة الأنبياء.