فلا يجوز على نبي الله أن يغاضب ربه ؛ لأن ذلك صفة الجاهل كون الله مالكا للأمر والنهي ، والجاهل بالله لا يكون مؤمنا ، فضلا على أن يكون نبيا ، وإنما خرج مغاضبا من أجل ربه ، أي غضب على قومه من أجل كفرهم بربه.
لكن كان الأولى له أن يصابر وينتظر الإذن من الله تعالى في الهجرة عن قومه ، لهذا قال تعالى : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) [القلم ٦٨ / ٤٨] كأن الله تعالى أراد لمحمدصلىاللهعليهوسلم أفضل المنازل وأعلاها.
وقال القشيري : والأظهر أن هذه المغاضبة كانت بعد إرسال الله تعالى إياه (أي يونس) وبعد رفع العذاب عن القوم بعد ما أظلهم ؛ فإنه كره رفع العذاب عنهم.
وظن يونس عليهالسلام عند ذهابه أن لا يضيق الله عليه بالحبس ، أو ألا يقضي عليه بالعقوبة ، من القدر الذي هو القضاء والحكم ، وورد القدر بمعنى التضييق كما في الآيتين المتقدمتين : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد ١٣ / ٢٦] أي يضيق ، وقوله : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) [الطلاق ٦٥ / ٧]. وورد بمعنى التقدير وهو الحكم ، وليس القدرة والاستطاعة ، كما في قوله تعالى : (فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر ٥٤ / ١٢].
ثم أدرك يونس وهو في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت أنه ظلم نفسه في الخروج من غير أن يؤذن له ، أو في ترك الصبر على قومه ، وليس في ذلك من الله عقوبة ؛ لأن الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا ، وإنما كان ذلك تمحيصا وتعليما ، وقد يؤدب من لا يستحق العقاب كالصبيان ، فتضرع إلى الله وجأر إليه بالدعاء المتقدم : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحانَكَ ..) فأكرمه الله تعالى ، وحماه من أن يهضم الحوت جسده ، وإنما جعله له سجنا فقط ، ثم أمر الحوت بإلقائه ، فطرحه على ساحل البحر.